: آخر تحديث

المرأة والرجل والغابة

12
12
13
مواضيع ذات صلة

قبل قاسم أمين، وقبل نوال السعداوي، وقبل كل تلك الحركات التي كانت تسمى تحرير المرأة، وتخليصها من «بطريركية الرجل»، بحسب اللغة النسوية آنذاك، قبل كل ذلك اقرأ معي بكل بساطة ما كتبه أحد الرحّالة في كتاب صادر عن دار الفارابي في بيروت عام 1982 تحت عنوان «كيف أصبح الإنسان عملاقاً؟»، تأليف: م إيلين وأ.سيغال،. ترجمة: كافيا بارودي.

يذكر المؤلفان في الصفحة 208 من الكتاب ما يلي، «كانت النساء عادة يُدِرْنَ البيوت، ويشدّ بعضهن أزرَ بعض: احتياطي الغذاء ملْك للجميع، ويا لشقاء ذلك الزوج السيّئ الحظ الذي يعود خالي الوفاض من رحلات صيده، عندها ينتظر أن يؤمر في أية لحظة بجمع أسماله وإخلاء المكان، وترك الدار حتى لو كان أباً لأطفال عديدين وعلى الرغم مما قد يكون له في البيت من أشياء خاصة به، والويل أيضاً لذلك الزوج الذي يتجرأ على الرفض، فتسوء عندئذ الأمور، ولا يبقى أمامه، أي الرجل، سوى الرجوع إلى قبيلته أو الزواج من امرأة ثانية من قبيلة أخرى، ذلك إذا لم تتدخل الخالة أو الجدة لمصلحته عند زوجته. يومها، كانت النساء قوة عظمى، ولا يُمنع أن يهددن زعيماً بتقليم أظافره، وتجريده من مهامه، ذلك أنهن كُنَّ يتحكمن بانتخاب زعماء قبيلتهن».

هذه السلطة النسائية لم تكن في غابات أدغال إفريقيا، ولم تكن عند القبائل المتوحشة، في آسيا، بل كانت النسوة يفعلن هذا وأكثر بالزوج غير المطيع في روسيا القيصرية وما قبل القيصرية، ويا لسوء حظه ذلك الرجل الذي يتزوج من امرأة ثانية ليتخلص من استبداد الأولى إذا طلعت الزوجة الثانية أشرس من الأولى.

كثيراً ما كتب بعض المتحمسين والمتحمسات للمرأة بشكل أيديولوجي متطرف على أنها ضحية، غير أن الفقرة التي أوردتها لك قبل قليل تثبت لنا واقعياً لا مجازياً أن الرجل هو الآخر ضحية للمرأة في بعض الأحيان إن لم يكن في الكثير من الأحيان.

ليس موضوعك وليس موضوعي هنا حجم الاستبداد المتبادل بين الرجل والمرأة عبر التاريخ، بل المهم، هنا على الأقل، هو مصير ذلك الرجل المسكين الذي يعود إلى بيته وليس معه صيد للعائلة، والعائلة، هنا هي المرأة، سيدة البيت، لا بد أن يعود إليها بدب أو جاموس بري، أو غزال، وإلا فهو مطرود لا محالة هو وأغراضه، غير مأسوف عليه بالمرة، وعليه أن يتدبر أمره بنفسه، وأحياناً، كما يقول الرحالة، يضيع الرجل في الغابة.. ويأكله أسد أو نمر أو ضبع جَوّال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.