هناك من المنظور الإسرائيلي 3 احتمالات لما بعد غزة.
دون فلسفة أو تنظير نقول إن هذه الاحتمالات هي:
1 - غزة دون «حماس»، أي دون الحركة والميليشيا.
2 - «حماس» دون كتائب القسام بمعنى بقاء التنظيم لكن منزوع الآلة العسكرية.
3 - غزة دون سكانها، وهو السيناريو الأكثر «كابوسية»، أي أرض القطاع «360 كم» دون سكانها الأصليين بكل أطيافهم الذين يتم ترويعهم ودفعهم دفعاً وقسراً إلى معبر رفح المصري. قصة «حماس» كتنظيم وحركة وحكومة مسيطرة على الأمور في قطاع غزة بدأت عام 2006.
في 29 يناير 2006 أعلنت الانتخابات التشريعية الثانية، وجاء فيها فوز حركة حماس بـ74 مقعداً من بين 132، بينما حصل مرشحو حركة فتح على 45 مقعداً، وحصلت الجبهة الشعبية على 3 مقاعد، وتيار البديل على مقعدين، وتيار مصطفى البرغوثي على مقعدين، وتيار سلام فياض على مقعدين، وتيار المستقلين 4 مقاعد.
وبناءً على هذه النتائج، وبناءً على القوتين الأمنية والعسكرية، وقدرة التمويل المالي الخارجي، بسطت «حكومة حماس» قوتها على كل قطاع غزة بما سمي وعرف بالانقلاب الحمساوي على سلطة رام الله.
تم الانقلاب أو الاستيلاء على السلطة رغم قيام رام الله بالاستمرار في دفع الرواتب الحكومية لموظفي الدولة في القطاع في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والعامة، الذين تعدى عددهم 30 ألف موظف حكومي. وبالموافقة الصريحة والكاملة تم قبول مبدأ وعملية التمويل والدعم المباشر المادي القطري لقطاع غزة والحركة بمبلغ 30 مليون دولار تمر رسمياً من إسرائيل إلى غزة كل شهر بإشراف الممثل القطري للدوحة في القطاع.
إذن نحن أمام تركيبة، أضلاعها:
1 - الحركة الدينية التابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين من ناحية الفكر والبيعة والولاء.
2 - الحركة السياسية التي تتبع رؤية الإسلام السياسي التي تتبنى معادلة فريدة، وهي حركة إسلامية سنية تتبع نظام ودعم نظام الولي الفقيه الشيعي الاثني عشري الجعفري الموجود في طهران.
3 - بحكم ما سبق، فإن «حماس» يجب أن تكون من يتحمل الإدارة المحلية بكل شؤونها في هذا القطاع.
هنا نسأل: سمعنا ورأينا «حماس» المقاتلة في غزة عبر كتائب القسام وسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، ولكن أتحدى أن نكون قد رأينا أي ظاهرة من ظواهر الوجود المحلي الفعلي الإداري خلال الـ75 يوماً الماضية.
لم نرَ دور «حماس» في التعليم أو الصحة.
لم نرَ دور «حماس» في الإيواء والإطعام وتوفير احتياجات المرافق العامة من كهرباء وماء وصرف صحي وطاقة.
لم نرَ أو نسمع عن ملجأ مؤمن لحماية المدنيين العزل في القطاع من ويلات القصف الإجرامي ضدهم. لم نرَ أو نسمع عن احتياجات غذاء أو دواء أو طاقة أو أدوية كانت تعدها «حماس» مثلما كانت تعد سراً صواريخها وذخائرها طوال 3 سنوات ماضية.
لـ«حماس» طعامها وشرابها وأمنها في الأنفاق، ولكن لسكان القطاع الذين يبلغ عددهم 2.2 مليون مدني أعزل حماية وحيدة تأتي من الخالق وحده سبحانه وتعالى.
لا نقلل من قتال «حماس»، ولكن الجيوش لا تحارب فقط بالسلاح، ولكن تحارب بخطوط الإمداد والتموين الداعمة للجبهة الداخلية.
لقد ترك سكان غزة من مدنيين فريسة يستفرد بهم جيش لا يحترم قواعد الحروب، ولا القانون الدولي، ولا أبسط معاني الإنسانية، يمارس وحشيته وجبروته على بشر عزل غير محاربين.
حينما قامت «حماس» بعمليتها يوم 7 أكتوبر الماضي ألم يكن لديها أي حسابات لرد الفعل الإسرائيلي تجاه المدنيين، خاصة أن هذا السيناريو تكرر قبل ذلك 4 مرات، ولكن ليس بهذا الجنون المتوحش؟
بعد توقف إطلاق النار سيكون هناك محاسبتان:
محاسبة إسرائيلية لنتنياهو، ومحاسبة فلسطينية لـ«حماس»!