: آخر تحديث

الحريات والأفول الغربي

7
9
8
مواضيع ذات صلة

جاءت استقالة رئيسة جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة لأنها سمحت لطلاب الجامعة بالتعبير عن مواقفهم من صراع الشرق الأوسط، ليست نتيجة ضغط اللوبي الصهيوني، فحسب، وإنما نتيجة تراجع متصاعد للحريات في الغرب كله، وليس في أمريكا فحسب. فالاستجواب الذي أجراه الكونغرس لرؤساء الجامعات، ولولا دعم هيئة التدريس لاستقالت رئيسة جامعة هارفارد العريقة كذلك، يعكس الحد الذي وصل إليه التضييق على الحريات الأساسية في الدول الغربية.

تلك الدول التي طالما انتقدت بقية دول العالم بشأن الحريات وحقوق الإنسان الأساسية، وغيرها من الشعارات التي تستخدم لأغراض الضغط السياسي، لم تعد الآن في وضع يسمح لها بأن تعظ الآخرين، بعكس ما تفعله. خاصة أن الموجة الجديدة من القمع الفكري، وإن كانت الآن بسبب صراع ساخن، إلا أنها تطور لمنحى متزايد بدأ منذ سنوات.

لطالما رفع الغرب شعار الحرية والديمقراطية، وما شابه، خلال الحرب الباردة، لتمييز نفسه عن المعسكر المقابل في الشرق، إبّان ثنائية قطبية العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. مع ذلك، لم تخل الحياة العامة في الدول التي تعتبر «راسخة الديمقراطية»، من التمييز والقمع الفكري، أحياناً. ولعل في حملة السيناتور الجمهوري جوزيف مكارثي، منتصف خمسينات القرن الماضي، على كل من له رأي حرّ واتهامه بالشيوعية واضطهاده، مثالاً على ذلك.

مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، في السنوات الأخيرة، زادت وتيرة التضييق، ليس فقط على حرية الرأي والتعبير، بل على بعض حقوق الإنسان الأساسية الأخرى.

ربما يربط البعض ذلك بزيادة أعداد المهاجرين من مناطق الصراعات – التي أشعلها الغرب أصلاً – ما ساهم في صعود اليمين السياسي في الغرب. وحتى لو أن ذلك صحيح جزئياً فإن الأساس هو أن الغرب لم يتخلص أبداً من جذور ذلك التمييز، منذ عصور أوروبا المظلمة، قبل قرون.

ومع بداية الأفول الغربي، تزيد تلك التوجهات القمعية، بالضبط كما يفعل الجسم البشري حين تصيبه العلل، فيبدأ بمقاومتها أحياناً بإنتاج أجسام مضادة تضر أكثر بصحته.

ربما هذا ما يجعل المرء يتوقـــع أن يشهـــد الغـــرب فـــي السنـــوات المقبلـــة تصاعـــد موجــات التميـــيز والنكـــوص عـــن الحريــــة وحقوق الإنسان، وغيرها من مبادئ وقيم، تسود في فترات النهضة والازدهار. ولن يكون هناك فارق كبير بيـــن حكـــم اليمــين، أو اليسار، أو أي تيار، فأعراض الضعف تظهر على المجتمع كله.

لعل المفارقة المثيرة فعلاً هي أن هذا الأفول الغربي، بالنكوص عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، ربما بدأ مع صعود ما سمّي «المجتمع المدني»، نهاية القرن الماضي. وهي مفارقة، لأن صعود تلك الجماعات والمنظمات الممثلة لفئات هامشية بدا كأنه قمة الحرية والديمقراطية. لكن ما حدث أن تلك الجماعات الهامشية، بمنظماتها غير الحكومية، تكاد تكون فعلت كما تنظيم «الإخوان» في منطقتنا، أي «تمسكنت حتى تمكنت». وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الأقلية تفرض موقفها ومصالحها على الأغلبية، وذلك فعلاً بداية الأفول.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.