: آخر تحديث

الصراعات والتضليل الإعلامي

13
11
11
مواضيع ذات صلة

التدليس، التزييف، التلفيق، الاختلاق، الخِداع، المُراوغة، الاحتيال، الغِش، الافتئات، الافتراء، التمويه، المُخادعة، الكذب، المَكْر، جميعها مصطلحات وكلمات ترادف معنى التضليل، أو جميعها أدوات للتضليل الذي يقوم على إخفاء الحقائق، أو تزييفها، أو تلفيقها، أو غيرها من المعاني ذات الأهداف السلبية والغايات الهدامة والتخريبية التي تتناقض تماماً مع المعاني السَّامية للأمانة والصِدق والنزاهة والوفاء والحق والحقيقة والإخلاص والثقة، فإذا كان التضليل بهذه السلبية العظيمة من حيث وضاعة الأهداف والغايات ودناءة السلوكيات والممارسات، فإنها تزداد وضاعة ودناءة عندما تتم ممارستها إعلامياً لتصل إلى مرحلة الانحطاط واللا أخلاق. وإذا كان هذا التضليل الإعلامي يعتبر مرحلة من مراحل الانحطاط واللا أخلاق، فإنه يصل إلى أدنى مستويات الانحطاط واللا أخلاق عندما تتم ممارسته في وقت الصراعات والنزاعات والأزمات والحروب بغرض تحقيق أهداف خاصة على حساب المصلحة العامة، ولتحقيق غايات خارجية على حساب المقاصد الوطنية العليا للمجتمع والدولة. نعم، إن التضليل الإعلامي من خِلال التوظيف السلبي لنتائج الصراعات والأزمات والنزاعات والحروب يعبر عن وضاعة ودناءة وانحطاط أخلاقي عظيم لأنها متاجرة بالمصالح العامة والعليا، واستخدام لمشاعر وعواطف عامة الناس لتحقيق مكاسب سياسية لفئة على حساب أبناء المجتمع والوطن الواحد. فإذا كانت هذه القاعدة السياسية يتم بناؤها وتوظيفها والعمل عليها من قبل بعض النُظم والدول المُتطرفة والمُعتدية، والفئات والأحزاب والجماعات والمليشيات الخارجة عن الشرعية والقانون، فكيف يمكن ملاحظتها ومعرفتها وفهمها وتوقع نتائجها الخطيرة على الفرد والمجتمع والدولة؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل المباشر مُتضمنة في أحداث التاريخ السياسي البعيد والحديث والمعاصر، حيث وظّفت واستخدمت الكثير من الصراعات والنزاعات والأزمات والحروب لتحقيق الأهداف السلبية على حساب القيم والمبادئ والأخلاق والمصالح العليا للفرد والمجتمع والدولة. ويمكن ملاحظة هذا التوظيف السلبي للصراعات والأزمات والنزاعات والحروب للحصول على مكاسب خاصة على حساب القيم والمبادئ والأخلاق والحقوق الإنسانية من خلال السلوك العدواني، والتبرير غير المنطقي للفعل غير القانوني، والممارسات غير الأخلاقية، بغرض تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة، سواءً تلك التي تخدم مصلحة مجتمع على حساب مجتمع، أو فئة على حساب فئات أخرى. ومن ذلك السلوك الاستعماري البغيض التي مارسته قوى الاستعمار الدولي في العصور البعيدة والحديثة حيث برر المعتدي عدوانه، والمستعمر استعماره، والمحتل احتلاله لأراضي الشعوب الأخرى التي سرق ونهب خيراتها، بأن سلوكه الاستعماري لم يتضرر منه أحد، وبأن تواجده في أراض وأقاليم قريبة أو بعيدة ليس احتلالاً لأنها مهجورة وغير مأهولة، أو لأن شعوبها هي من طالبت باحتلال أراضيها لتنميتها وبنائها وتطويرها وتعليم أبنائها، وبأن تواجدهم العسكري في أقاصي الأرض هدفه جلب المعادن والثروات الطبيعية لخدمة التجارة والاستثمار والتنمية الوطنية. وبهذه التبريرات المُعلنة والمُضللة تم توظيف الصراعات والأزمات والنزاعات والحروب للحصول على المكاسب غير المُعلنة وتحقيق الأهداف المتناقضة مع القيم والمبادئ والأخلاق وحقوق الإنسان. وهذا السلوك التضليلي الذي مارسته قوى الاستعمار لتبرير عدوانها واحتلالها أراضي الشعوب الأخرى، تطور تطوراً تدريجياً تماشياً مع اختراع الوسائل الإعلامية العديدة في وقتنا المعاصر. فبعد أن كان تضليل الرأي العام يقوم على التبرير المُعلن من خلال القاء الخطابات المباشرة عبر المنصات الخطابية المتاحة أمام عدد محدود من الجمهور ممن استطاع وتمكن من الحضور، أصبحت الوسيلة الإعلامية المتاحة أداة فعالة في خدمة المستعمر والمعتدي والخارج عن الشرعية والقانون لتبرير سياساته السلبية وتضليل الرأي العام بشكل أكثر فعالية وأعظم تأثير. وأحداث التاريخ السياسي المعاصر تشهد على كثير من الأمثلة ومنها التبريرات التي مارستها القوى الدولية في حقبة الحرب الباردة (1945 - 1991م) من خلال أطروحاتها الإعلامية المضللة لقيادة الرأي العام في الاتجاهات التي تخدم التوجهات الأيديولوجية لكل طرف حتى وإن كانت تتناقض مع القيم والمبادئ والأخلاق وحقوق الانسان.

وتماشياً مع تقدم وتطور وتعدد وسائل الإعلام في وقتنا الراهن، تصاعدت وتيرة ومستوى التضليل الإعلامي خاصةً في وقت الصراعات والأزمات والنزاعات والحروب. وهذا التضليل الإعلامي الكبير في وقتنا الراهن يمكن ملاحظته وفهمه ومعرفته من المتابعة اليومية للأحداث السياسية القائمة في مختلف مناطق العالم. نعم، ففي بعض الأحداث السياسية القائمة نجد أن التضليل الإعلامي وظّف واستخدم الصراعات والأزمات والنزاعات والحروب لتشويه صورة حضارة أو ثقافة أو شعوب حضارة وثقافة محددة أمام الرأي العام العالمي، وذلك بتصوير تلك الحضارة والثقافة بالصورة السلبية حتى أصبح ذلك الرأي العام يراها حضارة معادية وثقافة غير إنسانية، ومن أمثلة ذلك ظاهرة الإسلاموفوبيا - الخوف من الإسلام - وأتباعه في المجتمعات الغربية وتسويق هذه السلبيات إعلامياً لتضليل الرأي العام وتخويفه من الإسلام والشعوب والأوطان الإسلامية. وفي بعض الأحداث السياسية القائمة نجد أن التضليل الإعلامي وظّف واستخدم الصراعات والأزمات والنزاعات والحروب لتشويه صورة شعب معين وتصويره بما يتناقض مع الحقائق التاريخية والواقع المُعاش الذي يشهد بأنه شعب باحث عن حريته وحقوقه، ومن أمثلة ذلك التضليل الإعلامي العظيم الذي تمارسه وسائل الإعلام غير المهنية في المجتمعات الغربية تجاه شعب فلسطين السّاعي لإقامة دولته وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وذلك بإظهاره أمام الرأي العام العالمي بأنه شعب يُمارس العُنف ضد الدولة الإسرائيلية. وفي بعض الأحداث السياسية القائمة نجد أن التضليل الإعلامي وظّف واستخدم الصراعات والأزمات والنزاعات والحروب لتسويق الأيديولوجيات المُتطرفة، وتحسين صورة الجماعات والأحزاب والمليشيات الإرهابية، ومهاجمة المجتمعات والدول المُعتدلة، وذلك من خلال إعلان الانتصارات الوهمية، وتضخيم العمليات العسكرية، وتحويل الفشل والخسائر إلى نجاحات ومكاسب، وتشويه صورة كل من يعارض أو يناقش أو يفضح هذه الضلالات الإعلامية، ومن أمثلة ذلك التضليل الإعلامي الممنهج الذي تمارسه بشكل عريض وواسع التنظيمات والجماعات والمليشيات والأحزاب الإرهابية والمُنحرفة التابعة للنُظم السياسية المُتطرفة في المجتمعات الإقليمية والدولية.

وفي الختام من الأهمية القول إن التضليل الإعلامي صِناعة مُتعددة الأوجه تُمارسها النُظم السياسية المُتطرفة والمُعادية، والتنظيمات والجماعات والأحزاب والمليشيات الإرهابية، من خِلال افتعال الصراعات والأزمات والنزاعات والحروب بهدف جذب الرأي العام عاطفياً تجاه الحدث المُفتعل واشغاله به، ومن ثم توجيهه وتعبئته فكرياً وايديولوجياً حتى يكون تابعاً ومُؤيداً ومُسوقاً لتلك الأفكار المُتطرفة والمُنحرفة. نعم، إن التضليل الإعلامي مُتعدِد الأوجه الذي تُمارسه النُظم والدول المُتطرفة والمُعادية مسألة غاية في الخُطورة على الأمن والسِلم والاستقرار الإقليمي والدولي بسبب التطور والتقدم الكبير جداً في مجالات التقنية والاتصالات التي جعلت الوصول للرأي العام في كل مكان أمراً سهلاً ومُيسراً ومُتاحاً في كل وقت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.