: آخر تحديث

حوار العقلاء

27
24
26
مواضيع ذات صلة

سألني أحدهم: ما الفائدة من حوار المنامة؟! في الواقع استغربت من سؤاله بشدة لدرجة أني أجبته: هل تمزح؟ هل أنت ممن يبنون آراءهم ومواقفهم بناء على المعلومات العابرة والقيل والقال بدل أن يعرفوا الأمور على حقيقتها ويفكرون ويحللون ويعرفون خفايا الأمور وليس ظواهرها فقط ويخلصون إلى نتائج منطقية؟ كان لدي الوقت الكافي قد أتحدث لهذا الشخص بإسهاب عن أهمية حوار المنامة كتجمع عالمي للنخب السياسية والفكرية على أرض مملكة البحرين، فضلاً عن المسؤولين ذوي المناصب رفيعة المستوى، وكيف تتحول البحرين إلى وجهة لتلفزيونات العالم التي تنقل مجريات ومخرجات هذا الحوار.
أخبرته أن حوار المنامة إذا لم يكن موجودًا سابقًا فحري به أن يكون موجودًا هذه الأيام بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر الماضي ورد إسرائيل المفرط بالقوة على هذه الهجمات، وما تنذر به تطورات الأحداث من حرب إقليمية في دول تجد نفسها في قلب الصراع مثل مصر والأردن ولبنان، ويتطاير شررها ليشمل مختلف دول المنطقة.
ولعل درة التاج، وبيت القصيد في حوار المنامة هذا العام هي كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله، الكلمة الشجاعة والحكيمة التي وضعت النقاط على الحروف، وعكست مرة أخرى موقف مملكة البحرين الذي يتصف بالهدوء والحنكة وبعد النظر. ولقد نوّه جلالة الملك المعظم أيده الله بمضامين كلمة سمو ولي العهد، وجدد جلالته التأكيد على أهمية ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن يحرص المجتمع الدولي على تحقيق السلام العادل والشامل باعتباره خيارًا استراتيجيًا وسبيلاً وحيدًا للأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة والعالم، مؤكدًا على موقف مملكة البحرين الثابت بحل النزاعات بالوسائل السلمية.
ولا ننسى هنا أن كلمة سمو ولي العهد أثارت حفيظة بعض الغوغائيين أو العاطفيين أو المغرر بهم أو حتى المتصيدين في الماء العكر، والذين لم يتابعوا الكلمة كاملة ويفهموا معناها والمراد بها بشمولية ودقة، وإنما اجتزؤا منها عبارة أو عبارتين وبدؤوا يرددونها هنا وهناك، حالهم حال الجاهل الذي سؤل: ماذا تحفظ من آيات القرآن الكريم، فأجاب «ويل للمصلين».
لقد كان سمو ولي العهد رئيس الوزراء صارمًا ومباشرًا في كلامه، فقد أدان الأفعال الشنيعة التي قامت بها حماس يوم السابع من أكتوبر، بما في ذلك قتلها للأبرياء واختطافها لرهائن من نساء وعجزة وأطفال، كما أدان سموه رد الفعل غير المبرر الذي قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال حملتها العسكرية الهوجاء على قطاع غزة، وقصفها للمستشفيات والمدارس، وقلتها لأكثر من 11 ألف فلسطيني حتى الآن بينهم آلاف الأطفال والنساء.
الجميع يعرف من هي حماس، إنها إحدى الأذرع العسكرية للإسلام السياسي المتمثل بالإخوان المسلمين من جهة، وتستمد الدعم اللوجستي والاستخباري وحتى العسكري من إيران من جهة أخرى، وهي بذلك تجمع المتناقضات كلها، ما يجعل مستقبلها السياسي مظلمًا حتى لو وصلت لحكم قطاع غزة عبر صناديق الاقتراع، وجميعنا نعرف كيف قادت الحركات والجماعات والأحزاب المتطرفة الشعوب التي حكمتها إلى التطرف والاقتتال والانحدار.
الكثيرون من العاطفيين والغوغائيين يطالبون دول الخليج العربي بالكثير، وتصل مطالبات البعض منهم بضرورة دخول حرب مباشرة مع إسرائيل، وهؤلاء لا يقرؤون التاريخ، ولا يستشرفون المستقبل، حالهم حال رجل وقفت على أنفه ذبابة ضايقته فانفجر غاضبا منها وضربها بحجر طارت الذبابة قبل أن يصل إليها، لكنه كسر عظم خده.
العرب في مواجهة مع إسرائيل منذ أكثر من ثمانين عاما، سواء عبر اقتتال محدود دائم، أو حروب ثلاثة كبرى حتى الآن، أذكر منها حرب 1967 التي سبقها عبد الناصر بشحن معنوي غير مسبوق لـ«جماهير الأمة»، ومع احترامي وحبي لعبد الناصر إلا أن الحقوق لا تستعاد بالخطابات الرنانة والكلمات الحماسية وهتافات الشعوب بالميادين، وإنما بالتخطيط الاستراتيجي والصبر وتقوية جميع الأركان بما في ذلك القوة العسكرية، حتى نصبح مهابين من قبل أعدائنا، الذين سيدركون ويرضخون حينها لـ«سلام الشجعان».
كانت آخر حرب بمعنى الكلمة خضناها مع إسرائيل قبل نحو 50 عاما، في أكتوبر من العام 1973 تحديدًا، وانتهت كما يعلم الجميع إلى سلام عبر اتفاقيات كامب ديفيد. وعلى كل حال، قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات حينها إنه كان يحارب أمريكا وليس إسرائيل، وهو صادق في ذلك، ولا طاقة لأحد في محاربة أمريكا في ذلك الوقت، فما بالكم الآن؟ وأذكر هنا أيضا نصيحة الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة للفلسطينيين بأن يكونوا أكثر دبلوماسية وأقل صدامية عندما أخبرهم بضرورة أخذ ما هو متاح أمامهم من مكاسب بالمفاوضات واللين، ثم المطالبة بالمزيد.
لا بد من الإشارة أيضا إلى أن كلمة الأمير تركي الفيصل كانت واضحة كالشمس في حوار المنامة، وأعربت أيضا عن الموقف الخليجي المتوازن والنير، لا ننسى أيضا كلمة السيد أنور قرقاش، ولا بد أن نتوقف أيضا عند كلمات مهمة مثل كلمة وزير خارجية مملكة البحرين، ووزير خارجية الأردن، وكلها صبت في اتجاه واحد، ودعت إلى إنهاء الحرب وإقرار هدنة يستطيع الجميع من خلالها التنفس والبحث عن مخارج والعودة إلى طاولة المفاوضات المفضية إلى حل الدولتين والسلام والنماء.
ويبقى صوت العقل والضمير، صوت الأمير سلمان بن حمد وغيره من قادتنا في دول الخليج العربي، الصوت الذي يصارح إسرائيل بأنها لن تهدأ أو تهنأ طالما أنها توقع الظلم على الفلسطينيين، وتحرمهم من أدنى متطلبات الحياة، فكيف يمكن لإنسان يعيش في فقر وبطالة وحرمان ولا يأمن على حياته ولا مستقبل أولاده ألا يتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر بظالمه؟ ما الذي تركنا له من أمل حتى نطالبه بالتمسك به؟. ولإسرائيل أقول: القضاء على حماس لن يضمن لكم السلام؛ لأن الظلم والعدوان سيخلق حماسات أخرى، وإنما رفع الظلم والعدوان هو طريقكم الأسلم لعيش آمن.
أنا كمواطن بحريني وعربي ومسلم وعالمي، أشكر سمو ولي العهد رئيس الوزراء على شجاعته ووضوح موقفه، بدلا من المواقف المواربة التي صرعتنا بها دول خارجية تقول إنها تريد تحرير القدس لكنها تحتل عواصم عربية، تقول إنها تريد تحرير القدس، وعندما تسنح الفرصة لذلك تدفن رأسها في الرمال، تقول إنها تريد تحرير القدس، لكن عندما يقوم أحد أذرعها في لبنان أو حزب الله بعملية ضد القوات الأمريكية تسارع إلى نفي مسؤوليتها وتبرئة ساحتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد