: آخر تحديث

ما خفي من خطة تغيير خريطة المنطقة

19
17
15
مواضيع ذات صلة

لم تكن تخيلات نتنياهو، حين قال إن إسرائيل ستغير خريطة الشرق الأوسط، مجرد تصرف انفعالي وليد لحظته، وهو ما دعا المختصين بالشؤون العالمية، للبحث عن جذور تلك الكلمات، فتوقفوا أمام اليوم الذي ألقى فيه نتنياهو خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996، وهو يعرض خريطة للشرق الأوسط، تتمدد فيها حدود إسرائيل، حسب تعبيره، من النهر إلى البحر، مبتلعة غزة والضفة الغربية، وبلا أي وجود للفلسطينيين. وحين تفجرت الأزمة الأخيرة، والاجتياح الدموي التدميري لغزة، بدأت تظهر ملامح خطته.

فقد تحدث نتنياهو بعد يوم 7 أكتوبر مرتين، إحداهما أمام عُمَد المستوطنات الحدودية، بقوله إن رد إسرائيل على هجوم حماس سوف يغير خريطة الشرق الأوسط، ثم عاد ليكرر نفس العبارات في خطاب موجه إلى الشعب الإسرائيلي قائلاً: إن ما سنفعله مع أعدائنا في الأيام القادمة سوف ينعكس على أجيال قادمة.

لعل أكثر الخبراء تعمقاً في الأبعاد الخفية لتفكير نتنياهو هو المفكر الأمريكي ديفيد هيرست الذي تعددت بحوثه، ومنها دراسة بعنوان «إسرائيل وخرافة الدفاع عن النفس»، وأخرى عنوانها «انتفاضة جديدة لجيل جديد»، تحدث فيها عن ظهور لا بدّ منه لجيل جديد من شباب الفلسطينيين، يصنع قراراته بنفسه بعيداً عن حماس بل وحتى فتح، وهم الذين تفتحت عيونهم وهم في عمر الثماني سنوات منذ وفاة ياسر عرفات.

الدراسة الأخيرة لهيرست تُلقي نظرة متعمقة تجاه ما يقصده نتنياهو الآن من تغيير خريطة الشرق الأوسط، وإن كان قد سبقه بها في مرات سابقة مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون، وظل الكثيرون ينظرون إلى أقوالهم باعتبارها كلاماً أجوف.

وكان شيمون بيريز رئيس الوزراء السابق قد سبقه في طرح الفكرة في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، لكن بصورة مختلفة. وهو ما دعا نتنياهو في الاجتماع السنوي لل«إيباك» في واشنطن قبل 20 عاماً، لأن يعلن رفضه لفكرة بيريز.. وقال: لا يوجد شرق أوسط جديد، الشرق الأوسط هو نفس الشرق الأوسط الذي نعرفه، وكان يقصد بذلك تنفيذ فكرته الرامية إلى تفريغ غزة والضفة الغربية من سكانهما، ودفعهم قسرياً للهجرة نحو سيناء والأردن.

هنا يتساءل هيرست: ما هو المخطط الأكبر الذي يدور الإسرائيليون الآن حوله؟ وما هي النتائج التي سيجرها من ورائه؟ وما هي المخاطر التي سيلحقها بالمنطقة بأكملها؟

ثم يشير إلى خروج الكولونيل الإسرائيلي ريتشارد هيشت ليعلن للصحفيين أنه سينصح الفلسطينيين في غزة بعبور منفذ رفح إلى سيناء. ومعنى ذلك دفع الفلسطينيين رغماً عنهم نحو مصر، ولو كان ذلك قد حدث، كما يتوهمون، لكانت الحلقة التالية هي دفع الفلسطينيين في الضفة الغربية للهجرة إلى الأردن.

هيرست يضيف إلى ذلك أن الرئيس الأمريكي بايدن أعطى ضوءاً أخضر لإسرائيل، لكن هيرست لا يعتقد أن أمريكا يمكن أن تدفع الأوضاع إلى لعبة خطرة ستكون لها نتائج مدمرة.

وفي تحليله لموقف الفلسطينيين من تلك الخطط يرى أن الفلسطينيين يقولون إن المسجد الأقصى في القدس في حد ذاته رمز لهويتنا الوطنية، وإن على الإسرائيليين أن ينظروا لأنفسهم في المرآة، ويفكروا في قيمة التصالح وفق مبدأ المساواة مع شعب يعيش في أرضه.. ويمكن للاثنين؛ الفلسطينيين والإسرائيليين، أن يعيشوا معاً. وهذا لن يحدث، إلا إذا غلب عليهم الوعي بأن الفلسطينيين موجودون هنا ليبقوا جيلاً بعد جيل. على ضوء ذلك كله، فإن مكونات خطة نتنياهو لن تحقق لإسرائيل ما تطمح فيه، فالفلسطينيون، مثلهم مثل أي شعب أرضه محتلة، لن يغادروا أرضهم ولو حتى تحت القصف اليومي والتدميري بالقنابل. كما أن سيناء مغلقة في وجه أي تجاوز للحدود الوطنية لمصر، وإن ما ينجم عما يدور في عقل حكومة إسرائيل لن يؤدي إلا إلى إشعال صدام قد يمتد إلى مساحة أبعد من دائرته التي يتصورون أنهم فقط هم الذين يتحركون فيها. ولن تكون إسرائيل هي الرابحة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد