ارتفعت أعلام ورموز حماس والجهاد وحزب الله وإيران وسط ساحات الاحتجاج في الجامعات الأميركية، فانطفأت شعلة التضامن مع شعب غزة، فقد تم تسييس تلك التظاهرات العملاقة والانحراف بأهدافها من روح التضامن الإنساني العالمي مع شعب فلسطين والوقوف ضد الهمجية الإسرائيلية، إلى ترويج سياسي لأحزاب وتشكيلات مسلحة معادية لأميركا، وتلتقي مع أهداف إيران وحزب الله في حربهما ضد إسرائيل. تلك الأنشطة السياسية أفرغت مشروع التضامن لطلاب العالم من بعده الإنساني، وأعطت الأسباب القانونية للبوليس الأميركي بتفكيك هذه التظاهرات وخيم الاعتصامات بالقوة، كما أضاعت مواقف مهمة ونادرة قدمها أساتذة الجامعات من مفكرين وعلماء اندمجوا مع التظاهرات وكانوا من علاماتها الفاعلة في الأيام الأولى.
نجح المنظمون في خلق بيئة تضامن طلابي من خلال صور الضحايا والدمار وقتل الإنسان والحياة في غزة، وكان شرط توقف هذه المظاهرات هو إيقاف الحرب ضد ما تبقى في غزة، كان النداء الإنساني يتفاعل ويتصاعد بهذه التظاهرات التي عبرت عن الدعوة النقية للحياة وخلوها من الحروب واستثمار جمالها ومعطياتها من أجل الحياة وليس الموت والخراب، وهكذا استقبلت الفكرة طلاب كبرى الجامعات الأميركية والتفاف عشرات الآلاف حولها، وكان يمكن لها أن تستمر بندائها الإنساني المجرد من الغايات السياسية وشعاراتها، حتى تصل الجامعات الأوروبية والصين واليابان وبقية دول آسيا وافريقيا وباعتصامات عالمية للطلبة، يمكن أن تتحول إلى عامل ضغط عالمي مؤثر على أميركا وإسرائيل والأمم المتحدة، بهدف إيقاف الحرب على غزة، وإنهاء معاناة شعب فلسطين وإيجاد حلول عجزت عنها الدول في سنين طويلة من الحروب والمفاوضات والمؤتمرات وقوانين الأمم المتحدة.
تفكيك التظاهرات باعتبارها نشاطاً سياسياً معادياً لأميركا وحليفتها إسرائيل، تأتي بخسارة إضافية لما يفقده الشعب الفلسطيني من دماء وأرواح وأرض الوطن التي صارت تنحسر وتضيق بهم وتهددهم بالرحيل عنها، لأنها أصبحت أرضاً مفتوحة للموت والدمار الإسرائيلي الشامل.
إقرأ أيضاً: الأسلحة السرية!
بدأت الحملات الإسرائيلية الأميركية لتفكيك وسحق التظاهرات وساحات الاعتصام ولم يربح الفلسطيني سوى الهتافات والشعارات والصور التي غطت فضاءات التظاهر وساحات الاعتصام، بينما إسرائيل تحصد مكاسب سياسية وعنصرية داخل الكونغرس الأميركي ودول الاتحاد الأوروبي والعالم، إذ يعتزم الكونغرس الأميركي تشريع قوانين توسع من مفهوم معاداة السامية، وفي حالة صدور هذا التشريع في الولايات المتحدة الأميركية سوف تدخل مثل هكذا أنشطة ضد إسرائيل تحت بنود عقابية، بحسب ما تنظمها القوانين الجديدة، وهنا تكمن المفارقة بين العقل السياسي الإسرائيلي والعقل السياسي العربي في استثمار الأحداث.
إن ردة الفعل الإسرائيلية تمسحت بخطاب معاداة السامية، وتذكير المجتمع الأميركي والأوروبي برحلة الشتات والقضاء علي اليهود من قبل النازية، هذه الحكاية تجتهد في نسجها المثير ماكنة الإعلام الأميركي المسخّرة لخدمة إسرائيل، التي تهيمن إعلامياً وسياسياً على الإدارة الأميركية من خلال لوبياتها النافذة في عالم المال والإعلام وامتدادهما داخل مكاتب صناعة القرار الأميركي.
إقرأ أيضاً: الدكتاتور المتمرد صدام حسين يتناسل عراقياً
لقد استثمرت إسرائيل في مشروع تظاهرات الجامعات في تكريس قضية أنها "دولة" وحيدة وصغيرة أمام قوة عدائية دولية تحيط بها وتتمثل بمئات الملايين من العرب والمسلمين، هذه الكذبة التي تكررها منذ عام 1948 ولغاية الآن تجد صداها في الإنتاج الإعلامي والسينمائي وتزوير وثائق وحقائق التاريخ، بينما قادة المشروع "النضالي" الفلسطيني تحولوا إلى بندقية وهتاف صاخب يتنقل بين الأنظمة العربية، وانقسم أخيراً على نفسه ليتقاتل مع نفسه، أو يكون بندقية مؤجرة لمشاريع وأهداف إيران وتركيا وقطر مع استمرار نزيف الخسارات لشعب فلسطين.