جراء انفجار في أحد بلوكات منجم الفحم في معدنجو بطبَس (الواقع في محافظة خراسان الجنوبية) في الساعات الأولى من مساء السبت 21 أيلول (سبتمبر)، لقي ما لا يقل عن 52 عاملاً حتفهم، وأصيب العشرات من العمال بجروح. ورغم وقوع هذه الحادثة المأساوية والمروعة، لم تتخذ الحكومة الإيرانية أي إجراءات تليق بهذه الكارثة الكبرى لتكريم العمال الذين فقدوا أرواحهم، أو لإظهار التضامن مع العائلات التي فقدت معيليها. كما أنه بعد ساعات قليلة من الانفجار، توجه مسعود بزشكيان مبتسماً إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
نظرة إلى هذا الحدث المؤلم للغاية، وإلى تعامل النظام الإيراني مع مقتل حسن نصر الله، تُظهر الفرق بشكل أوضح. بعد مقتل حسن نصر الله، أعلن خامنئي خمسة أيام من الحداد العام، ولكن بالنسبة لى ضحايا منجم الفحم في طبس، وبعد تأخير لمدة يومين، أرسل فقط رسالة تعزية بسيطة دون ذكر عدد القتلى.
وفي إجراء آخر، أرسل خامنئي جميع أبنائه الأربعة إلى مكتب حزب الله في طهران للتعبير عن تعاطفه مع ممثلي حزب الله، لكنه لم يرسل حتى أحد أبنائه أو أقاربه لتعزية العائلات الثكلى لضحايا منجم الفحم في طبس.
لم يتم تسمية شارع أو طريق أو لوحة إعلانية في شوارع طهران أو حتى في مدينة طبس تكريماً لذكرى 52 عاملاً كادحاً، ولكن تم التصديق على الفور على تسمية أحد شوارع طهران باسم حسن نصر الله لإحياء ذكره.
وكتبت وسائل الإعلام الحكومية نقلاً عن مهدي شمران، رئيس مجلس مدينة طهران: "تكريماً واحتراماً لمقام حسن نصر الله، تم التصويت على تسمية أحد شوارع العاصمة باسمه، حيث حصل القرار على 18 صوتاً مؤيداً من أصل 18 صوتاً".
والأمر الأكثر حزناً من ذلك هو أنهم طلبوا من العائلات المنكوبة دفع مبالغ من المال مقابل استلام جثث ذويهم المحترقة، دون ذرة من الإنسانية أو التعاطف.
أما وزير العمل في حكومة بزشكيان، وبدلاً من قبول المسؤولية عن تقصير الحكومة وإهمالها، فقد أعلن بوقاحة أنه "لم يتم ارتكاب أي مخالفات في منجم الفحم في طبس... هذا الحدث كان مجرد حادثة!".
في ظل الوضع الحالي الحرج الذي تعيشه إيران، فإنَّ العبارة "الخبز مقابل الحياة" هي وصف دقيق للوضع.
لكن المجتمع الإيراني الغاضب عبّر عن استيائه من تقاعس الحكومة من خلال حركات احتجاجية.
وقد نظم المتقاعدون تجمعات احتجاجية في العديد من مدن إيران. وردد العمال في مدينة شوش شعارات خلال تجمعهم الاحتجاجي: "من خوزستان إلى طهران، الموت لهؤلاء المسؤولين!".
أهداف خامنئي من إقامة صلاة الجمعة؟
حضور خامنئي في صلاة الجمعة بطهران في 4 تشرين الأول (أكتوبر)، والخطاب الذي ألقاه، أثارا تساؤلات حول سبب قيامه بهذا العرض. يتفق المحللون على أنَّ الهدف الوحيد كان لرفع معنويات وكلائه في المنطقة، الذين أصيبوا بالإحباط بعد وفاة حسن نصر الله وتدمير جزء كبير من كوادر حزب الله الرئيسية، ويرون أن هذا الوضع هو نتيجة لسياسات خامنئي.
كتب عبد الله كنجي، المدير السابق لصحيفة "جوان" التابعة للحرس الثوري والمدير الحالي لصحيفة "همشهري"، حول أسباب مشاركة خامنئي في صلاة الجمعة: "إحياء ذكرى طوفان الأقصى، تكريم مراسم سيد المقاومة (حسن نصر الله) وضخ الروح المعنوية!".
وكذلك ألقى خامنئي خطبة الجمعة الثانية باللغة العربية، تضامناً مع حماس وقتلى حزب الله، عشية ذكرى حرب غزة.
في كلمته، توجه خامنئي إلى الدول والشعوب الإسلامية ودعاها إلى تعزيز حزام الدفاع من أفغانستان إلى اليمن، ومن إيران إلى غزة ولبنان، في جميع الدول والشعوب الإسلامية.
زيارة بزشكيان إلى قطر، وعباس عراقجي إلى لبنان يمكن تفسيرهما في هذا الإطار، ومن الواضح أنهما تمتا لتحقيق أهداف مشابهة. قال عراقجي، وزير الخارجية للنظام: "حالياً، تأتي سياسة دعم محور المقاومة على رأس أولويات سياساتنا أكثر من أي وقت مضى". (قناة تليغرام "رصد نيوز").
إقرأ أيضاً: من البنزين إلى الخبز: إيران على حافة الهاوية الاقتصادية
الواقع أن مقتل حسن نصر الله، والضربة النوعية التي تعرض لها تنظيم حزب الله، باعتباره الذراع العسكرية والأمنية للنظام الإيراني في سواحل البحر المتوسط، تشكل ضربة كبيرة لخامنئي ونظامه. هذه الضربة النوعية الكبيرة من شأنها إضعاف وكلاء النظام في الدول المعروفة باسم "محور المقاومة"، وهو المحور الذي استثمرت فيه إيران استثمارات كبيرة للبقاء في السلطة.
يدرك خامنئي وعصابات الثروة والسلطة جيداً أن الشعب يعارض الحروب وتصدير الأزمات، ولهذا السبب يقومون بزيادة وتيرة آلة الإعدام والقمع، لخلق أجواء من الحرب النفسية. فمنذ تعيين بزشكيان رئيساً للجمهورية وحتى الآن، تم إعدام ما لا يقل عن 223 سجيناً. ثمانية من الذين أُعدموا كانوا نساء، وثلاثة سجناء في مدينتي شاهرود وخمين أُعدموا علناً، بهدف فرض أجواء من الرعب والخوف على المجتمع. ويستمر عدد حالات الإعدام في الازدياد يوماً بعد يوم".
ما هو الحل؟
قالت مريم رجوي في كلمة ألقتها يوم الأربعاء 2 تشرين الأول (أكتوبر)، في اجتماعين لمجموعات برلمانية لأحزاب الشعب واتحاد الأحزاب الديمقراطية والليبرالية في مجلس أوروبا في ستراسبورغ:
الهجمات الصاروخية التي شنها نظام الملالي أظهرت مرة أخرى أن رأس الإرهاب وإشعال الحروب في هذه المنطقة من العالم هو الفاشية الدينية الحاكمة في إيران.
إقرأ أيضاً: تصاعد الإعدامات في إيران: صمت المجتمع الدولي وتشديد القمع
إشعال الحروب وتصدير الأصولية هما الوجه الآخر لعملة القمع والقتل والإعدام داخل إيران، وهما جزء أساسي من استراتيجية النظام للبقاء. وقد كرر خامنئي، زعيم هذا النظام، مراراً القول إنه إذا لم نقاتل خارج حدود إيران، فسوف نضطر للقتال في مدن إيران ضد العدو. والمقصود بالعدو هو المجتمع الثائر والشباب المتمرد (وحدات المقاومة). هذه هي فلسفة وكلاء النظام التي يهدر من أجلها ثروات الشعب الإيراني. لذلك، ما دام هذا النظام في السلطة، لن تعرف المنطقة السلام أو الاستقرار. لهذا السبب، كنا نقول منذ سنوات أن الاعتراف بالبديل والجمهورية الديمقراطية في إيران هو الشرط الضروري لتحقيق السلام والأمن في المنطقة والعالم.
والنتيجة هي أن الشعب الإيراني هو من يملك الدور الحاسم، وسيرسم مصيره ومصير خامنئي ونظام ولاية الفقيه، بشرط أن لا يساعد المساومون في إعادة تقويم النظام المتهالك نتيجة لهذه الضربة الكبيرة، وأن يضعوا حداً لسياسة المساومة المخزية".