ودعّت بلادنا قبل شهور عدة واحداً من الأساتذة الأفاضل، واحداً من أولئك الذين أسهموا في بدايات التأسيس للصحافة السعودية. ذلكم هو الأستاذ محمد بن أحمد الشدي (أبو عبدالعزيز)، الذي تولى رئاسة تحرير مجلة اليمامة في بداياتها وترأس مجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون ومجلات الجيل والتوباد والفنون. لقد كان، يرحمه الله، بالنسبة لي بمثابة الأخ الأكبر والصديق الأثير طيلة مسيرتي العملية والإعلامية معه، وعلى يده تعلمت الكثير من أدوات العمل المهني وازداد شغفي للعمل تحت إدارته لما يملكه من تعامل راقٍ مع مرؤوسيه.
آمن الأستاذ الشدي بالرسالة الإعلامية والثقافية العظيمة وأبلى بشأن رقيها ورفعتها بلاءً حسناً، وترك في خلال خمسة عقود من الزمن مآثر جليلة من الإخلاص والعمل الجاد لإيصال رسالتنا الوطنية في المجالات الإعلامية والثقافية والفنية التي كان ربان سفينتها إلى كافة أصقاع العالم. والأستاذ محمد، لمن لم يتعرف عليه عن قرب من الناكرين للذات ومن أولئك النقيين الذين ينتمون إلى الزمن الجميل بسيرته العطرة، وذكره الطيب، وروحه النقية، وهذا ما جعله يمتلك ميراثاً من محبة الناس الذين يكبرون فيه سجاياه الكريمة المنبعثة من المثل النبيلة والقيم الخالدة التي تمتع بها طيلة حياته.
لقد عملت تحت رئاسة أستاذنا الراحل نحو 30 عاماً، من خلال مسيرة عطاء عريضة ومشوار حياة في المجالات الإعلامية والثقافية والاجتماعية، حيث تشرفت بالعمل وفق توجيهه وفي مدرسته كمدير لتحرير مجلة الجيل ورئيساً للمركز الإعلامي في جمعية الثقافة والفنون، كما جمعتني معه عضوية لجنة أصدقاء المرضى بمدينة الرياض. ولقد فقدت برحيله نموذجاً نادراً للإنسان الطيب، والمدير المخلص، والنهر المتدفق حباً للعمل وتقديراً وتحفيزاً ودعماً لمرؤوسيه. وكم يعز عليّ فراقه، في وقت نحتاج فيه إلى أمثاله من الرجال الأوفياء الصادقين. ومهما كتبت في تأبينه من كلمات أو سطّرت من حروف حزينة، فإني لن أوفيه حقه لما قدمه للوطن من وقت وجهد وتفانٍ في سبيل إعداد أجيال المستقبل من أبناء وبنات الوطن. وكم أسعدني وأبهج قلبي خبر الاستعداد لتكريمه خلال الأسبوع القادم في احتفالية وفاء تبنتها ورعتها مؤسسة اليمامة الصحفية بقيادة ربان سفينتها أ. خالد العريفي والإعلامي النشط أ. مشعل الوعيل، المشرف على منصة الرياض اليوم.
رحم الله أبا عبدالعزيز رحمة واسعة، ورفع منزلته في الآخرة، وجعل الجنة مأواه.