: آخر تحديث

وثائق حرب أكتوبر.. سؤال النصف قرن

17
16
19
مواضيع ذات صلة

بعد خمسين سنة من حرب أكتوبر 1973، يطرح سؤال الوثائق نفسه مجدداً، لماذا يحجب حتى الآن أرشيف الحرب؟ لم يعد هناك سر مخبوء يخشى منه على الأمن القومي.

الأجيال الجديدة من المصريين تحتاج إلى أن تطل بنفسها على المصادر الأصلية حتى يكون بوسعها أن تمتلك نظرة موضوعية ورحبة لأهم حروبنا في العصور الحديثة.

ما هو متوافر، حتى الآن، شهادات لقادة عسكريين يروون وقائع كانوا طرفاً فيها، يدافعون عن أنفسهم، أو يتهمون آخرين بالمسؤولية.

الشهادات المنشورة، رغم أهمية بعضها، لا تؤسس لرواية مصرية موثقة عن ما جرى فعلاً في الميدانين العسكري والسياسي أثناء مواجهات السلاح الكبرى.

تتوافر آلاف الوثائق عن يونيو وأسرارها غربية وإسرائيلية دون أن تكون هناك رواية مصرية واحدة لها صفة الرسمية.

الدول تنشر وثائقها السياسية والعسكرية بعد عدد معين من السنين لتضع الحقيقة أمام مواطنيها، أياً كانت مرارتها، حتى لا تتكرر أي أخطاء جرت في الماضي.

الأمر نفسه نفتقده في حربي «الاستنزاف» و«أكتوبر». هناك شهادات ودراسات نُشرت لكن الوثائق قضية أخرى. للوثائق كلمة أخيرة تجيب عن كل الأسئلة: كيف هزمنا ولماذا؟ وكيف قاومنا وصمدنا حتى عبرنا الهزيمة في أكتوبر؟ ثم كيف أجهضت نتائجها السياسية؟

هناك فارق بين مراجعة التاريخ بالوثائق المثبتة لإدراك حقائقه وتصحيح الذاكرة العامة، وبين تعميق الشعور بالهزيمة كقدر إغريقي لا يمكن الفكاك منه، أو نفي أسبابه.

بعد «يونيو» جرت مراجعات وتحقيقات في خلل الأداء العسكري، أهمها ما تقصته لجنة ترأسها اللواء حسن البدري. أفضت المراجعات إلى إعادة تصحيح دور القوات المسلحة، ومنع دخولها في غير طبيعة مهامها.

أعيد بناؤها وفق مواصفات الجيوش الحديثة، التي تُعلي من شأن الكفاءة والاحتراف وتمنع الانشغال بالسياسة. وأُسندت مسؤوليتها إلى نخبة من العسكريين الأكفاء في القيادة العامة، كما في جميع الأسلحة.

لم تكن مصادفة بعد أيام من الهزيمة أن تفرض قوات محدودة في «رأس العش» كلمتها على الإسرائيليين وتوقع بهم خسائر فادحة في لحظة انتشاء عسكري. أثناء سنوات حرب الاستنزاف جرت بطولات تقارب الأساطير في ظروف شبه مستحيلة.

وبقوة السلاح عبرت مصر قناة السويس في أكتوبر 1973، وكان يفترض أن تعبر أي مشاعر لحقت الهزيمة، لكنها تكرّست.

لماذا؟.. وكيف؟ هذه مسألة وثائق حتى تكون الرواية التاريخية محكمة والأحكام السياسية لها ما يسندها.

«لماذا لم تذع وثائق سنة 1967؟ ولماذا لا توضع الحقيقة كاملة أمام أصحاب الحق فيها؟». هكذا طرح ذات حوار الأستاذ محمد حسنين هيكل السؤال قاصداً الذين خرجوا للشوارع عقب الهزيمة يعرضون المقاومة واستمرار القتال، وهم أنفسهم الذين ضحوا بالدم حتى يكون النصر ممكناً.

في خريف (2009) وجد نفسه أمام سؤاله بطريقة لم تخطر له على بال. فقد ألقى اللورد ديفيد أوين، وزير الخارجية البريطاني الأسبق مداخلة مطولة أمام دارسين في القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية مدعواً من مؤسسة هيكل للصحافة العربية، قال فيها: «إن مصر هزمت في حرب 1973».

كانت تلك صدمة هائلة للصحفيين الشبان، وكادت تفلت مشاعر الغضب عن كل قيد.

لم تكن حرب أكتوبر موضوع محاضرة اللورد أوين، ولا كان مقرراً استدعاء شهادته عن من هزم وانتصر فيها. كان موضوع محاضرته «الاعتلال في السلطة.. الصحة البدنية والنفسية للزعماء وتأثيراتها على الحكم وصنع القرار».

في مساء اليوم نفسه الأربعاء 14 أكتوبر 2009، والضجة تتفاعل والصخب يتسع، سألت الأستاذ هيكل: «عليك أن تتوقع حملة ضارية باعتبارك الرجل الذي دعاه لإلقاء محاضرة في القاهرة.. ماذا تنتوي أن تقول، أو تفعل؟». قال: «ولا أي شيء».

«كل ما لدي كتبته بالوثائق والتفاصيل، ولا أحد بوسعه أن يشكك في موقفي، فضلاً عن أنه لا يصح أن أقول لرجل تولى وزارة الخارجية البريطانية بين عامي 1977 و1979، عاصر المفاوضات المصرية- الإسرائيلية، وأطل من موقعه على موازين القوى، ماذا يقول أو لا يقول، وأنت تعرف أن النخب الغربية في أغلبها تذهب مع أوين في ما ذهب إليه». «ثم لا تنس أن العالم ينظر إلى النتائج السياسية لأي حرب والباقي كله معروف».

الوثائق، ولا شيء آخر غيرها، هي التي تنصف بطولة وتضحيات الرجال في حرب أكتوبر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد