اختتمت الأسبوع الماضي مراسم إحياء ذكرى عاشوراء على النحو الذي ينبغي أن يكون عليه الختام؛ إذ عكس هذا الإحياء وحدة المجتمع الثابتة وتجانس مكوناته التاريخي ووقوفه صفًا واحدًا في السراء والضراء في إعلان نتباهى به جميعا بإننا بحرينيون من دون طمس لا للمذهب ولا للعرق. ولقد كان واضحاً، مثلما هو دائماً، تعاطي الحكومة الإيجابي بما يكفي لإسداء الشكر لها والثناء عليها صحبة جموع المعزين بالذكرى الحسينية الذين التزموا أيما التزام بالشراكة الوطنية وقيمها وبمقتضيات الأمن العام وضوابطها وبوحدة المجتمع وسلمه الأهلي، ولا نستثني من هذا الثناء طبعا مؤسسات الدولة التي هيأت سبل النجاح ووفرت كافة المقومات المطلوبة لذلك خلال العزاء الذي يعد بين التظاهرات التي يتفرد بإقامتها المجتمع البحريني في المنطقة ويفتخر.
انتهت المراسم بتأكيد ثابت على أن البحرين من دون تدخلات المتطرفين التي جربنا مراراتها وكابدنا مآسيها في السنوات الماضية في الشأن الديني بلد قدره أن يُقدم هذه الصورة الناصعة التي تعكس وحدة المكونات الاجتماعية وعملها المشترك على المحافظة على المكتسبات الوطنية. ورغم ما لمؤسسات الدولة كافة وخصوصا وزارة الداخلية في الحثّ على تجنيب الفعاليات الدينية تدخل المتطرفين والمغالين المذهبيين في الشأن السياسي فإنه من المؤكد أن أعضاء هيئة المواكب الحسينية ورؤساء ومسؤولي المآتم والحسينيات والنشاط الملحوظ لرجالات الدولة في مختلف مواقع عملهم وقناعة السواد الأعظم من الناس التي ملّت وسئمت تطفل رجال السياسة والمتطرفين واستغلالهم المناسبات الدينية لتسجيل ظهور مفتعل في المشهد، قد أسهموا بشكل فاعل في الخلوص إلى هذه النتيجة الوطنية المبهرة.
نعم إن مؤسسات الدولة دائما حاضرة في الموعد لتقديم المطلوب منها لنجاح الفعاليات المجتمعية الدينية والمدنية؛ لتأكيد مدنية الدولة ومواطنيتها بوقوفها على مسافة واحدة مع كل المكونات الاجتماعية التي يزهو المجتمع البحريني بتغلغلها في نسيجة. وما إشادة ملك المملكة صاحب الجلالة المعظم حمد بن عيسى آل خليفة المفدى حفظه الله ورعاه بجهود وزارات الدولة ومؤسساتها التي لم تبخل بتوفير سبل النجاح إلا دليل ساطع على نجاح مراسم الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين. ولعلنا في هذا الإطار نشير إلى التنبيه المبكر من معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة لدى اجتماعه مع أعضاء هيئة المواكب الحسينية ورؤساء ومسؤولي المآتم والحسينيات بحضور رئيس مجلس الأوقاف الجعفرية ورؤساء المحافظات، والتي فيها أكد على أمرين اثنين: أوّلهما الخصوصية البحرينية في إحياء مناسبة عاشوراء. وثانيهما، ضرورة النأي بمملكة البحرين عن أن تكون مسرحًا للسياحة الدينية؛ ذلك أن للمجتمع البحريني خصوصيته التي ينبغي أن تحظى باحترام منتسبي هذا المجتمع والتي قد لا يفهمها ويعيها الغير.
لم تأتِ ملاحظات معالي وزير الداخلية من فراغ، فهو الوزير الذي أنيطت بعهدته وبعهدة وزارته مسؤولية المحافظة على الأمن والاستقرار، ولقد شهد معاليه من التجارب على مدى سنوات عمله بالوزارة ما يكفي ليقدم ملاحظاته هذه التي وجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لأنها تعبير صريح عن حاجة الدولة الدائمة إلى تعزيز ما تبذله من جهود حتى تجعل مراسم العزاء تسير وفق ما يحقق المصلحة الوطنية ويُسجل للبحرين ريادة في احترام معتقدات أهل البحرين، وفي هذا أمر لا ينبغي ان يُستغرب من معالي وزير الداخليّة ومن وزارته فالاجتهاد الدائم خدمةً للوطن عقيدة ثابتة لديهما وعدم الانجرار وراء نشوة النجاح عقلية جعلت هذه الوزارة تراكم النجاح تلو الآخر في كل المناسبات والأحوال.
هذا النجاح الباهر الذي انتهت معه مراسم العزاء الحسيني يؤكده ما صدر من رأس الدولة صاحب الجلالة المعظم وولي عهده الأمين، رئيس مجلس الوزراء، من خلال ما عبرا عنه حال انتهت مراسم العزاء من وافر الشكر والتقدير لكل العاملين على إنجاح هذه المناسبة الدينية وكانوا سببا في هذا النجاح، وفي كل هذا الحديث المجتمعي الذي يفخر أفراده ومؤسسات الدولة الرسمية والأهلية فيه بانخراطهم في خدمة المجتمع ضمن إطار فعال من الشراكة الوطنية دعم عروة الوحدة الوطنية الوثقى وجعلها أقوى فأقوى. ومع ذلك، فأي كلام أو ملاحظات صدرت من أي بلاد أو مؤسسة من الواجب أن نأخذها على محمل الجد رغم عدم تحري البعض منها الإنصاف والدقة في نقل الحقيقة، على أمل أن يعود أصحابها إلى تحكيم العقل مثلما فعلت دول كبرى ومؤسسات حقوقية كثيرة قبلها عندما استدركت على نفسها ما أصدرته من أحكام جائرة في حق البحرين وأهلها. البحرين ليس لديها ما تخفيه في تعاملها مع حقوق الإنسان بصفة عامة ومع الحريات الدينية بشكل خاص إذا ما تم النظر إليها من ناحية حقوقية مجردة من كل خلفية سياسية، ونعني بالخلفية السياسية تلك القائمة على الإقصاء وعلى سرديات ثبت بالحجة والبرهان تهافتها، وهي الخلفية التي لنا أن نرصدها بيسر لدى من ساءهم نجاح مراسم عزاء هذا العام، فطفقوا يصدرون ما يعكس تناقضهم الجوهري مع مملكة اختارت حرية الضمير مبدأ في ميثاقها الوطني.
فهنيئًا للمملكة هذا النجاح الجديد، وهنيئًا لنا نحن شعب هذه المملكة هذه الخطى الثابتة التي رسخت دولة المواطنة والحق في الاختلاف، وهنيئًا لنا تنوعنا الجميل، وشكرًا من الأعماق لكل من ساهم في نسج تفاصيل هذا النجاح كبيرة كانت أو صغيرة.

