: آخر تحديث

شَعرة بيتهوفن

28
17
29
مواضيع ذات صلة

لا يخدعنّكم عنوان المقال، فلا علاقة مباشرة له بشعرة تخص بيتهوفن، وإن نسبت إليه صلة ما بها، و«شعرة بيتهوفن» أبعد ما تكون عن التعبير الدارج في عالم السياسة وأسلوب الحكم، عن «شعرة معاوية»، والتي باتت قولاً دارجاً، من وحي جواب معاوية بن أبي سفيان حين سئل: «كيف حكمت الشام أربعين سنة على الرغم من القلاقل والأحداث السياسية المضطربة؟»، فقال، والعهدة على من روى طبعاً: «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدّوها خلّيتها وإن خلوا مددتها».

ما أبعد الشقة بين السياسة والموسيقى، تكويناً ودلالات، حتى لو أقررنا بأن الواقع الملموس، مجتمعياً وتاريخياً، يترك أثره في الفن والثقافة عامة، فشعرة بيتهوفن، ما هي إلا خصلة شعر، أشار تحقيق مضى عليه زمن طويل للطب الشرعي، أجري بعد وفاته، إلى أنه عُثر عليها في ما خلّفه من مقتنيات، فوجدها أعضاء الفريق المكلفين بالبحث في الأسباب الغامضة لهذه الوفاة، فرصة ثمينة للتحليل الجيني للحمض النووي من خلال هذه العينة التي اعتقدوا بأنها من شعر رأس الموسيقي الأهم في العالم، ويستنتجون أسباباً سرّعت وفاته.

وما هدى الفريق إلى خصلة الشعر تلك، وثيقة عثر عليها زملاء بيتهوفن، الذي توفي في مارس/آذار 1827، بعد صراع طويل مع المرض، كتبها بخط يده قبل ربع قرن على رحيله، عندما كانوا يفرزون ممتلكاته الشخصية، وتضمنت وصيّة تطلب من إخوته تقديم تفاصيل عن حالته الصحية للجمهور، وقال فيها إنه «مصاب بشكل ميؤوس منه لدرجة التفكير في الانتحار»، خاصة بعد أن يئس طبيبه الشخصي من معرفة السبب الرئيسي لفقدان بيتهوفن السمع الذي أدى فعلياً إلى إنهاء مسيرته الفنية، وبات معلوماً أن بيتهوفن، أصبح أصماً في منتصف الأربعينات من عمره، وكانت تلك «مفارقة مأساوية تمنى بيتهوفن من العالم أن يفهمها، ليس فقط من منظور شخصي؛ بل من منظور طبي». لم يكن مجرد فقدان السمع ما عاناه الملحن؛ بل رافقته كذلك، ومنذ سن العشرينات، آلام شديدة في البطن ونوبات إسهال مزمنة، حتى توفي عن عمر لم يتجاوز السادسة والخمسين.

بعد وهم شاع لسنوات بأن خصلة الشعر تلك عائدة لبيتهوفن، دحضت ذلك دراسة جديدة نشرت في مارس/آذار الماضي، وقالت إن الشعر ليس من رأس بيتهوفن أصلاً؛ بل من امرأة مجهولة، ما أثار سؤالاً حول هوية المرأة صاحبة الخصلة، وسؤالاً آخر أهم: «كيف مرت خصلة شعر المرأة على أنها شعر بيتهوفن نحو قرنين؟»، ليبقى غامضاً السبب الحقيقي لوفاة الرجل الذي مات باكراً، فيما موسيقاه تعيش خالدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد