: آخر تحديث

قمة جدّة: التنمية المستدامة بالخطّ العريض

26
33
33
مواضيع ذات صلة

أكثر من نصف بنود «إعلان جدّة» الصادر عن القمة العربية الثانية والثلاثين لم يكن مرتبطاً بأزمات سياسية ساخنة ومتفاعلة في المنطقة العربية، بل ركّز على مختلف جوانب التنمية المستدامة، بلغةٍ قد تبدو جديدةً على القمم العربية، لكنها ليست جديدةً على سياسات باتت متّبعة في عدد من الدول، لا سيما في منطقة الخليج، حيث تطبّق كل دولة «رؤية» اقتصاديةً وتنمويةً خاصةً بها، سواء لتحقيق طموحاتها وتعزيز مصالحها أو لاختبار قدرتها على التفاعل مع الاقتصاد العالمي. وهذا واضح في نهج السعودية والإمارات على سبيل المثال، فضلاً عن ملامح تقدم لدى دول أخرى.
وبمقدار ما أصبح هذا التوجّه بمثابة استراتيجية للدول، مبنية على الاستقرار ومستفيدة منه، بمقدار ما أصبح نموذجاً يستحق أن يُحتذى به، فلكل بلد طاقاته وقدراته الذاتية لكنها في بعض الدول لا تُستَغل على النحو الأمثل. وإذ بدأ هذا التوجّه الاستراتيجي يثبت جدواه حيث يُطبّق فإنه يستدعي الأخذ في الاعتبار: أولاً- أن تغليب أولويات التنمية على العُقد والعقبات السياسية أياً تكن الظروف يفتح مساحاتٍ واسعةً لتدعيم الاقتصادات، وبالتالي لصون الدولة ومكانتها التي تعرّضت في كثير من الأقطار العربية لمحاولات التهميش والتفكيك ولمخاطر الانهيار، وثمة أمثلة عدة لدول أصبحت تصنّف «فاشلةً» أو في حكم الفاشلة.
وثانياً- أن توجيه العناية التي يستحقها الاقتصاد يلبي حاجة الشعوب إلى العيش بأمان وكرامة، واستطراداً إلى التصالح مع هويتها ومواطنية أبنائها حاضراً ومستقبلاً.
وثالثاً- أنه لطالما كان عدم الربط -ما أمكن ذلك- بين التنمية وبين مسارات السياسة غير القابلة أو غير القريبة من التسوية، من المطالب المزمنة والملحّة عربياً لئلّا يتوقف نمو المجتمعات وتطورها في مجالات العلم والإنتاج والثقافة.
ورابعاً- أن الاقتصادات المستقرة تُقلّص من فرص التدخلات الخارجية ومؤثّراتها السلبية، أياً تكن طبيعتها ودوافعها، وهذا ما يُستشفّ من روح «إعلان جدّة» في إشاراته إلى تعزيز العمل العربي المشترك. عكست القمة العربية الـ32 بلوغَ الدول والحكومات مزيداً من الوعي لنتائج عقد عربي مضطرب راح ينذر بتحوّلات فكرية وبنيوية في غياب بوصلة لضبطه وإرشاده إلى الوجهة الصحيحة، فيما لا تزال ارتداداته متفاعلة.
وبفعل الوعي والمعاناة تتخلّق مفاهيم جديدة للتعاون في صون الأمن والاستقرار بمواجهة الإرهاب، لـ«حماية سيادة الدول وتماسك مؤسساتها» بمواجهة المليشيات، لـ«المحافظة على منجزاتها» التي تهدّدت، وأيضاً لـ«الاستفادة من المقوّمات البشرية والطبيعية في التعاطي مع تحدّيات العصر الجديد بما يخدم التطلعات نحو مستقبل واعد لشعوبنا والأجيال المقبلة».. فبهذه المفاهيم المتجدّدة يبدو العرب وكأنهم يتعاهدون على جعل عملهم «المشترك» هدفاً يخدم الاستقرار وليس مجرد شعار خشبي يتكرّر ولا يُنفّذ ويُستخدم فقط في تبريرٍ واهٍ لوجود الجامعة العربية.
في عالمٍ متغيّر وكثير التحدّيات لا بدّ للعالَم العربي من أن يتغيّر أيضاً، خصوصاً أنه فوّت الكثيرَ من الفرص وأضاع الكثيرَ من الطاقات والمقوّمات التي كان يُفترض أن تساهم في صنع نهضته. ليس جديداً ولا عادياً أن تخرج قمة عربية بتصميم على «تهيئة الظروف واستثمار الفرص وتكريس الشراكات لتحقيق مستهدفات التنمية المستدامة، ليكون مواطنو دولنا هدف هذه التنمية وركناً متيناً في الاستقرار والبناء».
لعل هذا هو الدرس المستفاد من فشل تجربة «الربيع العربي»، إنْ بالنسبة إلى الدول التي مرّت بها وتحاول الخروج منها أو للدول التي تجنّبتها واستخلصت منها العبر. لذلك يتميّز التفكير التغييري بتركيزه، عدا تحديد الأهداف، على «المبادرات» ومنها مبادرة إنشاء حاضنة فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد