: آخر تحديث

الخوف الذي يسكن الدكتاتور!

30
39
37
مواضيع ذات صلة

نسي العالم ما يحدث في السودان، كما نسي ما يحدث في اليمن وفي أماكن كثيرة من هذا العالم ما زالت جروحها تنزف، إلا أن النزيف الأكبر أصبح في الأيام الأخيرة في أوكرانيا، لأنها قريبة الى قلب العالم وليست في الهامش، قريبة الى قلب العالم لأن من يشن الحرب دولة كبرى مسلحة نووياً، وقريبة الى قلب العالم لأنها تحدث في الجوار الأوروبي، وهو المسيطر على عالم اليوم (الغرب والدول الرأسمالية الكبيرة). في الهيكل الرئيسي من دون التفاصيل هي تشبه غيرها من جهة، وتختلف عنها من جهة أخرى من حيث النتائج. 
 
دولة أقوى تعتدي على دولة أصغر وتغيّر نظامها السياسي كي يكون تابعاً لتلك الدولة. حدث ذلك في سوريا تجاه لبنان، وما زلت أذكر تعاطفي الشديد مع السفير اللبناني في الكويت إبان الهيمنة المباشرة السورية، كيف كان تقريباً تابعاً للسفير السوري، وكل عمله في المنتديات التي يحضرانها هو التأمين على أقوال "السيّد السفير". ذاك السفير السوري بعدما نقل، تم تعيينه في بيروت، ربما نتيجة نجاحه في تطويع سفيرها، فقيل إنه يستطيع أن يطوّع الجميع!! في نهاية المطاف، رفض جزء وازن من اللبنانيين تلك الهيمنة، مع الاعتراف بأن النظام السوري ترك الكثير من الأتباع في لبنان تحت شعارات مختلفة، ولم تعد الدولة اللبنانية دولة!!
 
استخدم نظام صدام حسين أكاذيب شتى لتبرير غزوه الكويت، ادعى أن الكويت سرقت نفط العراق عن طريق "الحفر الأفقي"! وهو تعبير يثير الضحك لدى المتخصصين في الصناعة البترولية، ثم ادعى أن هناك "ثورة" في الكويت، بل نصّب رئيساً للوزراء ووزراء (وطلبوا من النظام العراقي العون)! ومع افتضاح الحجة قرر أن الغزو هو "عودة الفرع الى الأصل" وزاد أيضاً أن الكويتيين هتكوا عرض "الماجدات" في محاولة لإثارة النخوة عندما فقد كل الذرائع، إلا أن الكويتيين عن بكرة أبيهم رفضوا الخضوع، واستجاروا بالأصدقاء الأقرب في الخليج، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وأيضاً بالدول العظمى الكبيرة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وعندما انهزم حرق آبار النفط التي يعاني منها الإنسان والبيئة في الكويت حتى اليوم. 
 
يستخدم النظام الروسي تعبيرات تبريرية تقارب تبريرات الأخيرين، قال إن اعتداءً تم على مواطنين روس في المناطق الحدودية، واستخدم أيضاً "عودة الفرع الى الأصل"!! ثم تحدث عن احتمال ضم أوكرانيا الى الحلف الأطلسي، وأيضاً عن وجود سلاح نووي في أوكرانيا، وأخيراً "النازيين الجدد"، علماً بأن الرئيس الأوكراني من الديانة اليهودية، وأكبر معلم في كييف العاصمة الأوكرانية هو ذكرى الهولوكوست التي قام بها النازيون في أوكرانيا إبان اجتياحهم لها في الحرب العظمى الثانية. وأخيراً استهداف مفاعل نووي يمكن أن يلوّث الإنسان والبيئة حتى سواحل الأطلسي!
 
يجمع كثيرون على أن الأسباب التي تجعل من قائد ما في بلد ما يقوم بغزو بلد آخر، هو أساساً الخوف. 
حافظ الأسد ركب عدداً من الأجهزة السرية، بعضها يراقب بعضها، لأنه أتى من خلال انقلاب دُبّر بليل، وتخلص حتى ممن كان له معهم في الظاهر علاقة وشيجة في حزب "البعث"!! وحوّل البلاد الى حكم أقلية استفادت من الثروة والسلطة لتبقى مناصرة وملاصقة للنظام، في وهم خلقه حافظ بأن خروجه من السلطة يعني تشتيتها في الآفاق، ولا يهم إن كان تشتيت بقية المكوّنات السورية بعد ذلك في أنحاء العالم لمن سلم من أقبية السجون أو أعواد المشانق. كان يعرف أن بقاء لبنان ساحة شبه حرة يعني تجميع المعارضين فيها ليسمع أصواتهم في دمشق، وتحت ذريعة تحرير فلسطين استولى على لبنان، وكان مندوبه السامي يحدث النواب اللبنانيين بالتليفون في أوقات التصويت، أن دمشق "تتمنى عليه التصويت هكذا"، وطوّر السياسيون اللبنانيون تلك العبارة الى "تتمنى عليك"، وهي تعني إن لم تفعل غادرت غير مأسوف عليك هذه الدنيا، إذا الخوف الشديد يجعل من متخذ القرار الفرد يتصرف بفتح جبهات يعتقد، ومن خلال التحشيد الإعلامي، أنها تصرف النظر عن مشكلات حكمه العميقة.
 
ليس سراً أن صدام حسين لم يكن ليستقبل أي رسائل أو أوراق ترسل إليه من خلال ممثلين لرؤساء الدول، بل كان جهازه يطلب تسليم الأوراق، ومن ثم فحصها بدقة، وبعد التيقن لا تسلم  الأوراق نفسها، بل نسخ منها مؤكد أنها لا تحمل (سُماً) من نوع ما! وأيضاً لم يكن ليقرب أي وجبة إلا بعد أن يتناولها رئيس الطباخين وتمر فترة قبل أن يقربها، ولم يكن ينام في مكان واحد ليلتين على التوالي، ولم يكن يرتدي ساعة يد خوفاً من رصده.
 
 استغرب العالم بقاء السيد فلاديمير بوتين على بعد كبير أثناء زيارة رئيس الجمهورية الإيرانية موسكو. كان على رأس طاولة تبعده أمتاراً عن ضيفه! فسّر محبو المؤامرة من إخواننا أنها إهانة لا غير للرئيس الإيراني (نظرية المؤامرة المحببة)! وتبين أنه تعامل مع عدد من الرؤساء، بل حتى العاملين عنده من المسؤولين. بالطريقة نفسها. إنه خوف الدكتاتور على النفس!
 
الخوف المرضي للدكتاتور أحد عناصر الأزمة، ويقود الى قلق عصابي نتيجة العزلة والفراغ في المؤسسات فيتخذ القرار المميت. 
من سيأتي بعدي؟ سؤال يؤرق الدكتاتور؟ حافظ الأسد حل الأمر بتوريث الابن، في حالة غير مسبوقة أراد أن يكرّرها حسني مبارك وعلي صالح فباءت بالفشل! بل قادت الى الخراب. ليس لبوتين ولي عهد، ولا خلفه (لجنة مركزية) كما كان الأمر في الاتحاد السوفياتي. شعوب روسيا تتوق الى الحرية التي ذاقت بعضاً منها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وهو والأوليغارشية حوله يريدان إقناع شعوب روسيا والدول المحيطة، بأن الشمولية أفضل، ولكنها شمولية متزوجه من رأسمالية متوحشة، وفي  الوقت نفسه مفتوحة يومياً على تجارب ونجاحات الآخرين في الغرب!  المخرج إذاً الحرب، حتى لو دفعت الى حافة المخاطرة، فليس هناك شيء يخسره الخائف عدا ترويع الآخرين! الديموقراطيات لا تحارب، ولكنها إن حاربت انتصرت، ذلك منطق العصر الذي نعيش.   


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد