يقع منظم الخدمات أو هيئة تنظيم الخدمات Services Regulatory Authority في متسلسلة القطاع التي تتكون من مشرع ومنظم ثم مقدمي الخدمة أو المرخص لهم وأخيرا العملاء. وتظل مهمة تنظيم الخدمات هي جوهر تطور الصناعة ولذلك نراها في عنق الزجاجة من قبل نظر المواطنين والحكومات على حد سواء. وقد توزعت الأدوار والمهام بين أطراف متسلسلة القطاع بين مشرع يقوم بطرح الأنظمة وقوانين الصناعة، ومنظم يقوم بدور الرقابة والتأكد من انضباط مقدم الخدمة من خلال سن لوائح تنظيمية ورخص ومؤشرات أداء وغيرها والحفاظ على حقوق المستهلكين ومقدمي الخدمة الآخرين وما يخدم المصلحة العامة. إن أهم الصناعات التي تشمل الخدمات التنظيمية على سبيل المثال لا الحصر هي الكهرباء والماء والصرف الصحي والمخلفات والاتصالات والبريد والبيئة والغاز والغذاء والدواء والنقل والطيران المدني والموانئ والخدمات المصرفية والبنكية وغيرها.
تشكل مؤشرات الأداء أو معايير الأداء الرئيسة أحد النماذج لتقييم أداء الصناعة دوريا وبالتالي قياس مدى التقدم الذي تم إحرازه، وبلا شك، فإن قياس أداء المرخص لهم يعد عاملا في نمو الصناعة وتطورها. يعد سن مؤشرات الأداء الرئيسة للمنظم بالعمل غير السهل لأنه مطالب بمتابعة أداء المرخص لهم ومراقبته بما نصت عليه اللوائح التنظيمية والرخص ولا يجوز إغفال أي نص نظامي. ولذلك قد يطلق البعض مسمى المراقب على منظم الخدمات، لأن أحد أدواره هي مراقبة أداء المرخص لهم والاجتماع معهم دوريا وبحث أسباب تدني مؤشرات الأداء الرئيسة إذا كانت منخفضة، وتهنئتهم إذا تحققت مؤشرات الأداء المستهدفة. تقوم مهمة المنظم في سن مؤشرات أداء حقيقية وواضحة، حيث تغطي كامل القطاع مع التأكيد على عدم إقرار مؤشرات أداء ثانوية أو جانبية لا تقدم أي جديد أو معلومة تثري أداء الصناعة وبالتالي تكون عبئا وإرهاقا على مقدم الخدمة أكثر من كونها مراقبة أداء داخلية. وحسب الممارسات العامة، قبل إقرار منظم الخدمة أي مؤشرات أداء رئيسة على المرخص له يقوم المنظم بالاجتماع معه عدة مرات وعرض مؤشرات الأداء الرئيسة والاستماع إلى ملاحظاته، ويعد الرقم المرجعي للوضع الراهن انطلاقة حقيقية لأي مؤشر أداء قبل الاتفاق بين المنظم والمرخص له على الرقم المستهدف. بمجرد اكتمال نتائج مؤشرات الأداء، يجب على المنظم نشر نتائج مؤشرات الأداء الرئيسة للمرخص لهم بصورة دورية، حيث يعد نشر مؤشرات الأداء الرئيسة عنصرا أساسيا من عناصر الإطار التنظيمي، وعادة ما يكون النشر في موقع المنظم الإلكتروني من باب الشفافية والوضوح.
ما رأيكم أن نأخذكم لأحد منظمي الخدمات في المملكة ودوره في مراقبة أداء الصناعة؟ منذ إنشاء هيئة تنظيم المياه والكهرباء - هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج سابقا - بقرار مجلس الوزراء رقم ٢٣٦ في 27/8/1422هـ، اعتمد مجلسها إطارا تنظيميا منذ عام 2009 لقياس أداء المرخص لهم بتوليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها وخدمات المشتركين. وتمثل هذه القطاعات الأربعة محاور صناعة الكهرباء العامة، وبالطبع لكل صناعة قطاعات تختص بها وتتنوع عن الأخرى حسب طبيعتها ومتطلباتها وتشغيلها. ويقوم المختصون في الهيئة بزيارات ميدانية لمجموعة من المواقع لتدقيق البيانات والعمليات ذات العلاقة للتأكد من صحة المعلومات المقدمة واكتمال المتطلبات الإجرائية والتنظيمية. وبعد الانتهاء من حصر كل معايير الأداء كاملة والتأكد منها، تقوم الهيئة بإصدار تقارير تدقيق سنوية تتضمن تقييما لمستوى أداء مقدمي الخدمة وكل جوانب خدمة الكهرباء، ثم نشر نتائج مؤشرات الأداء الرئيسة في موقعها الإلكتروني وغيره. إن مراقبة الهيئة لمؤشرات الأداء الرئيسة يعد تحسينا نوعيا لصناعة الكهرباء في جوانبها حسب ما ينص عليه نظام الكهرباء ولائحته التنفيذية واللوائح والأدلة والرخص. ولقد قدمت هيئة تنظيم المياه والكهرباء مؤشرات الأداء الرئيسة كخدمة معلوماتية تفاعلية لعرض البيانات المتعلقة لتوليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها وخدمات المشتركين، حيث يطلب عادة من المرخص لهم الإبلاغ سنويا عن قيم مؤشرات الأداء الرئيسة. وتغطي القيم المتعلقة بمؤشرات الأداء الرئيسة توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها وخدمات المشتركين بمجموع 26 مؤشرا رئيسا، وعليه يجب على المرخص لهم ذوي العلاقة بصناعة الكهرباء مثل الشركة السعودية للكهرباء وشركة أرامكو السعودية وشركة مرافق الكهرباء والمياه في الجبيل وينبع "مرافق" والشركة الوطنية لنقل الكهرباء وغيرها، الامتثال من خلال الإبلاغ والإفصاح بكل تجرد وشفافية عن قيم مؤشرات الأداء. وليست العملية بتلك السهولة، فالتدقيق على البيانات المرسلة يعد أحد المتطلبات، من أجل تحديد ما إذا كانت مؤشرات الأداء الرئيسة التي قام المرخص لهم بتزويدها دقيقة بالقدر الكافي لقبولها من الهيئة أم غير ذلك. ولأجل ذلك، تقوم الهيئة بتدقيق سنوي للعمليات الأساسية المنفذة والبيانات التي جمعت بواسطة جميع المرخص لهم لتقييم مؤشرات الأداء الرئيسة لها، وكذلك تقييم عمليات جمع بيانات مؤشرات الأداء المستخدمة بواسطة المرخص لهم، وتشتمل هذه المراجعة على تركيز نوعي يتضمن مراجعة قوة عمليات الإدارة المنفذة بواسطة الشركة لجمع البيانات والتبليغ عن مؤشرات الأداء. إن تدقيق البيانات يوفر بيئة خصبة لتحسين التواصل مع المرخص لهم بما يوفر فرصة لهم في تبيان وجهات نظرهم أمام المنظم وتوفير مساحة مستقلة لعرض مرئياتهم بما يخدم صناعة الكهرباء.
إن اتباع منظم الخدمات مراقبة الأداء وقياسه بالشكل الصحيح مطلب ضروري، ومنها يرتقي أداء الصناعة ويتسارع معدل التحسين، إضافة إلى نمو السلوك وثقافة العمل. وبلا شك فإن هذا النمو والتطور سينعكس على صناعات جانبية كما هي الحال في صناعة الكهرباء التي تمثل أرضا صلبة وقاعدة عريضة لكثير من الصناعات. إن اختيار المؤشر الصحيح وقياسه بشكل دقيق وسليم هما فن وعلم في آن واحد، يعتمدان بشكل كبير على خبرة المنظم وتجربته وثقافته التنظيمية.