القراءة التاريخية لميزانية المملكة الفعلية منذ 2016 حتى 2021 سجلت تزايدا إيجابيا في معدل نمو الإيرادات السنوية، باستثناء 2020 عند مقارنته بالعام السابق 2019، بسبب كوفيد - 19، حيث بلغت فجوة الإيرادات ما بين 2019 و2020 "- 17 في المائة"، أي باستثناء 2020 جميع الإيرادات السنوية إيجابية منذ 2016، ومتوسط معدل التغير للفترة السابقة نفسها 14 في المائة، أما متوسط معدل التغير في المصروفات "3 في المائة" لفترة القياس نفسها أيضا، ويعزى تنامي الإيرادات إلى نجاح برامج تنويع الإيرادات العامة للدولة غير النفطية، كما أن صانع السياسات الاقتصادية في السعودية كان يضغط باتجاه زيادة زخم الميزانية حتى إن حصل عجز في الميزانية من أجل الوفاء بتنفيذ برامج الرؤية 2030 والنفقات العامة الأخرى إلى أقصى حد تسمح به الظروف الاقتصادية العالمية وأسعار النفط، على الرغم من أن التقديرات التي نراها متحفظة عند تصميم الميزانية السعودية، وهذا النهج يعكس مدى القدرة على تقدير مخاطر تقلب أسعار النفط والقدرة على إدارة قدرات الدين العام وتحقيق أعلى منفعة ممكنة من تمويل الميزانية عن طريق أدوات إصدارات الدين المحلية والأجنبية مناصفة، سواء بالريال أو بعملات أجنبية من أجل تقليص مخاطر تقلبات سعر الصرف وأسعار الفائدة، ولا سيما أن المملكة لديها جدارة ائتمانية عالية قادرة أيضا على تحمل ذلك، أي أن الدين العام في نطاق ثلث حجم الناتج المحلي الإجمالي تقريبا.
وبالنظر إلى حالة النفط للفترة نفسها، فقد سجل في 2020 سعر 11.26 دولار، لكن ذلك لم يبق طويلا حتى عادت إلى الأسعار المستويات المقبولة لحالة الاقتصاد العالمي وعلى أساس من التوازنات الملائمة للمنتجين والمستهلكين، ولعبت مجموعة "أوبك +" دورا حاسما بقيادة السعودية في استقرار الأسعار مرة أخرى، لذا نرى كمراقبين أن هناك تناسقا دقيقا في تحقيق الاستقرار للاقتصاد والميزانية السعودية، سواء من وزارتي المالية أو الطاقة أو حتى الدعم الدبلوماسي إذا تطلب الأمر على الصعيد الدولي في الطاقة، أما عند متابعة متوسط الأسعار للنفط من 2016 حتى 2021، فكان في نطاق 53.9 دولار، وهو المتوسط الذي نعتقد أنه الأساس في تقدير الميزانية العامة إذا ما تمت قراءة حركة الميزانية في حدود الأعوام الخمسة الماضية.
أداء الميزانية في 2021:
كان الأداء الاقتصادي للناتج المحلي 2.9 في المائة في ظل إيرادات فعلية محققة بلغت 930 مليار ريال في مقابل مصروفات 1015 مليار ريال، أي بعجز 85 مليار ريال، ويعزى ذلك التحسن في الإيرادات إلى ارتفاع أسعار النفط وكفاءة الإنفاق الحكومية ونهج الإدارة المالية المتبع من 2016 منذ انطلاق الرؤية 2030 في مسائل الانضباط المالي وتراجع الانحراف ما بين المخطط الفعلي في الميزانية، وكلها مؤشرات على سلامة ودقة التخطيط المالي للبلاد، وسجل الدين العام 938 مليار ريال حتى يوم إعلان الميزانية الجديدة 2022.
موازنة 2022 والاتجاهات الاقتصادية المتوقعة خلال العام المقبل:
قدرت إيرادات موازنة 2022 بتريليون و45 مليار ريال، وتعد الأعلى منذ 2013 وبفائض 90 مليار ريال ومصروفات تقدر بـ944 مليار ريال، وتأتي هذه الموارنة لتدعم الأهداف الاقتصادية والمالية لما بعد كورونا، وهي تمثل نهجا ضمن السياسات التوسعية، وتعد تلك الأرقام في الموازنة ذات تأثيرات واسعة على السوق المالية وعلى حالتي الاستثمار للقطاع الخاص، كما أنها ستعمل على زيادة جاذبية الاستثمار المباشر في السعودية، ويعزى ذلك إلى أن التغير في معدل زيادة الميزانية إلى 12 في المائة كأرقام إضافية للإنفاق العام عن العام السابق 2020، الذي كانت إيراداته 930 مليار ريال مقابل 1045 مليار ريال 2022، كما أن الدين العام 29 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بمعدل اقتراض 40 في المائة ديونا خارجية إلى 60 في المائة داخلية، كما أن الاتجاه هو سداد دون رفع حجم الدين العام، وجميعها تعطي هامش جدارة ائتمانية مرتفعة إذا ما تمت مقارنة أسعار النفط الحالية وتعزيز السيولة في القطاع المصرفي من الاحتياطيات إذا تطلب الأمر، إضافة إلى سداد الديون القائمة، ما يعني زيادة صلابة التقييم الائتماني للمملكة، ولا سيما أن المستهدف خفض الدين بنهاية 2022 إلى 25.9 في المائة من الناتج المحلي، أي بمعدل 3.3 في المائة في ظل تحسن متوقع في للناتج المحلي في حدود 7.4 في المائة. في الموازنة 2022 لا تزال منهجية البلاد تمنح التعليم الأولية في الإنفاق بمقدار 185 مليار، وتأتي الصحة والتنمية الاجتماعية 138 مليار ريال ضمن الأولويات التي تلامس صحة المواطنين والتنمية الاجتماعية. وفي الختام، يمكننا وصف الموازنة 2022 بميزانية تعويض فاقد النمو الاقتصادي للعام الماضي وتحقيق مرتكزات جديدة للنمو تحقق تطلعات المواطنين وتنوع موارد البلاد المالية، سواء من خلال النفط أو القطاعات غير النفطية والاستثمارات العامة الأخرى.