: آخر تحديث
استطلاع للرأي يؤكد تراجع الثقة بقيادة محمود عباس

هل يؤدي تزايد الدعم الشعبي لحماس في الضفة الغربية إلى اندلاع انتفاضة جديدة؟

49
56
44

سادت تكهنات الفترة الماضية بشأن الإعداد لانتفاضة جديدة في الضفة الغربية، حتى قبل هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبدون شك أدت الغارات المتكررة التي يشنها الجيش الإسرائيلي، بدعم من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة، في أعقاب الهجمات التي نفذها فلسطينيون على إسرائيل، فضلا عن هجمات اتسمت بالعنف نفذها مستوطنون على فلسطينيين، إلى تنامي الضغوط على الفلسطينيين في الضفة.

فمنذ أن اندلعت الحرب في غزة، تفاقمت الضغوط، كما أصبحت الغارات الإسرائيلية على بلدات الضفة الغربية متكررة بل وأشد عنفا، وتعاني العديد من الأسر اقتصاديا جراء حجب إسرائيل عائدات الضرائب المستخدمة في دفع رواتب موظفي الجهات الحكومية في الضفة الغربية، علاوة على حظر العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل.

وتسود حالة غضب جراء مقتل نحو 20 ألف فلسطيني في غزة، مع تنامي الدعم لحماس. وعلى الرغم من كل ذلك أطلقت الحركة المسلحة دعوات للانتفاضة في الضفة الغربية خلال الشهرين الماضيين ثم تلاشت مرة أخرى.

الحالة المزاجية الشعبية

تنامى التأييد لحماس، والمقاومة المسلحة عموما، بشكل حاد منذ أن بدأت الحرب في غزة.

وأظهر استطلاع رأي أجراه مركز البحوث السياسية والمسحية في رام الله تضاعف حجم التأييد لحماس في الضفة الغربية ثلاث مرات، وفي الوقت ذاته تراجع الدعم لحركة فتح الحاكمة في الضفة بشكل ملحوظ، إذ يرى ما يزيد على 90 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لابد أن يقدم استقالته من منصبه.

ولكن يبدو أن دعم المقاومة المسلحة، وخيبة الأمل في الحلول السياسية، لا يُترجم إلى عمل على أرض الواقع.

فمنذ اندلاع الحرب، تُنظم مظاهرات أسبوعية في مدن الضفة الغربية، وتُرفع شعارات ضد إسرائيل، كما تُرفع شعارات معارضة للسلطة الفلسطينية، بيد أن المتظاهرين تُحدد أماكنهم عادة في وسط المدن، لتقليل خطر المواجهة مع الجنود الإسرائيليين، وليس عند نقاط التفتيش، كما حدث خلال الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة في أوائل العقد الأول من القرن الجاري.

وتوصف أعداد المشاركين في هذه المظاهرات الأسبوعية بأنها أقل مما كانت عليه خلال فترات التوتر السابقة.

وقال رائد الدبعي، أستاذ العلوم السياسية والقيادي في حركة الشباب في فتح: "يتردد الناس في المشاركة عندما تدعو حماس إلى المظاهرات، لأن هناك ثمنا أمنيا واضحا يجب دفعه في حالة مواجهة رد إسرائيلي".

بيد أنهم لا يشاركون أيضا عندما تدعوهم حركة فتح للتظاهر، ويضيف الدبعي : "الناس فقدوا الأمل في الأحزاب السياسية".

حماس

حرب غزة
Getty Images
فلسطيني يتفقد الخسائر داخل منزل مدمر في مخيم جنين للاجئين بعد استهدافه من قبل الجيش الإسرائيلي في 13ديسمبر/كانون الأول

في ظل تزايد ردود الفعل العنيفة من جانب الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وزيادة كفاءة أجهزة الأمن الفلسطينية، يخشى العديد من الناس من أن يؤدي الانضمام النشط لجماعة مسلحة إلى أن يصبح الفرد هدفا للاعتقال أو الاغتيال.

وتقول الأمم المتحدة إن القوات الإسرائيلية قتلت ما يزيد على 270 شخصا، من بينهم 70 طفلا، في الضفة الغربية منذ أن شنت حماس هجوما على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. ويعد ذلك أكثر من نصف إجمالي عدد القتلى خلال العام الجاري.

كما قُتل أربعة إسرائيليين، من بينهم ثلاثة من الجيش، على يد فلسطينيين هناك خلال نفس الفترة.

وشهد الأسبوع الجاري استمرار عملية اعتقال مسلحين فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين، وشهدت الأوضاع إطلاق نار كثيف وهجمات صاروخية وغارات جوية بشكل متكرر، فضلا عن اعتقال مئات الأشخاص، وتسليم 60 منهم إلى أجهزة الأمن للاستجواب.

ويسعى الجيش الإسرائيلي أيضا إلى تدمير البنية التحتية التي تستخدمها الجماعات المسلحة.

وادعى الجيش هذه المرة أنه عثر على ما يزيد على 10 مداخل لأنفاق تحت الأرض في المخيم، بالإضافة إلى منشآت لصنع متفجرات و"غرف تحكم ورصد" هدفها مراقبة القوات الإسرائيلية.

وقال شاب من المخيم، كان من بين المعتقلين الأسبوع الجاري وأُطلق سراحه بعد استجوابه، إن السبب وراء تجاهل الناس لدعوات حماس من أجل الوقوف تضامنا معها، هو أن الحركة لم تزود الضفة الغربية بالعتاد الذي يكفي لمواجهة الجيش الإسرائيلي.

وقال خليل الشقاقي، رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله: "لم تحسن حماس العمل في تنظيم نفسها خلال العقد الماضي في الضفة الغربية".

وأضاف: "اعتقل الإسرائيليون الكثير من أعضاء الحركة. حماس عاجزة الآن في الضفة الغربية عن تعبئة وتنظيم أعمال عنف يمكن أن تستمر".

بيد أن الانتفاضات السابقة لم تعتمد على حماس، فالانتفاضة الثانية، التي اندلعت في عام 2000، قادها أعضاء في حركة فتح الحاكمة في الضفة الغربية.

دور حركة فتح

حرب غزة
AFP
أثار دمار في منطقة بجنين بعد عملية عسكرية إسرائيلية

يُنظر إلى الزعيم الحالي لفتح، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على نطاق واسع باعتباره يسعى إلى تجنب تصعيد العنف ضد إسرائيل، وهو تحول كبير مقارنة بموقف سلفه ياسر عرفات.

كما تتعاون أجهزته الأمنية مع إسرائيل لاعتقال أعضاء الجماعات المسلحة، وهو أمر ينتقده الفلسطينيون على نطاق واسع.

وينفي صبري صيدم، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أن يكون موقف الحركة يتعارض مع المزاج العام في المنطقة، أو أن السلطة الفلسطينية تتجنب الدخول في صراع بطريقة أو بأخرى.

وأضاف: "القول بأن فتح تسيطر وتحافظ على الهدوء هو في حد ذاته بمثابة تلميح إلى أن هناك تطبيقا قويا يكمن وراء حالة التهدئة. لا أحد يفرض أي شيء على أي شخص".

وقال: "يعلم الناس في الضفة الغربية أن نتنياهو يلقي طُعما، من خلال شن هجمات مستمرة كل ليلة ضد الشعب الفلسطيني بغض النظر عن انتماءاته السياسية، لأنه يريد استفزاز الفلسطينيين إلى حالة المواجهة التي تجعله يستخدمها كذريعة لتصعيد الوضع".

وتضغط الولايات المتحدة على إسرائيل من أجل السماح للسلطة الفلسطينية "المعاد تفعيل دورها" بأن تحكم غزة بمجرد انتهاء الحرب هناك، لكن إسرائيل أعلنت حتى الآن أنها لن تدرس الأمر.

بيد أن فرصة حكم كيان فلسطيني واحد للمرة الأولى منذ عام 2006 تشكل حافزا آخر للسلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح لإثبات أوراق اعتمادها والحيلولة دون خروج الوضع في الضفة الغربية عن نطاق السيطرة.

وأوضح رائد الدبعي، القيادي في الحركة: "من الواضح جدا أن فتح لا تريد أي انتفاضة. إنها لا تزال حريصة جدا على الحفاظ على الوضع الراهن. بيد أن القاعدة الشعبية لفتح لن تخضع للسيطرة عليها إلى الأبد. كيف يمكنك أن تظل صامتا أمام الاغتيالات اليومية والهجمات اليومية والانتهاكات اليومية للمستوطنين، هذا سيؤدي بالتأكيد إلى حالة انفجار".

"شرر محتمل"

حرب غزة
EPA
أوقفت قوات إسرائيلية سيارة إسعاف كانت تحاول الوصول إلى مستشفى جنين لتفتيشها

اندلعت شرارة الانتفاضة الثانية في عام 2000 بعد زيارة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، إلى باحة المسجد الأقصى في القدس.

وجاءت زيارة شارون وسط إحباط فلسطيني متأجج بسبب إخفاق عملية أوسلو للسلام، ويقول الشقاقي إن شباب فتح "استغلوا ذلك" لإشعال الانتفاضة.

ولا يزال من الممكن لحدث صغير مثل هذا أن يؤدي إلى حدوث شيء أكبر، بيد أن الوضع تغير منذ عام 2000.

وحاليا يزور وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الباحة، ويطلقون ادعاءات تحريضية بشأن سيطرة إسرائيل على الموقع، من دون إثارة ردود فعل كبيرة، على الأقل في الضفة الغربية.

وقال صبري صيدم القيادي البارز في فتح: "أخبرنا الإدارة الأمريكية عدة مرات أن الضغوط ستفضي بالتأكيد إلى رد الفعل. لكن لم يتوقع أحد أن يأتي رد الفعل من غزة".

ويعتمد الاتجاه الذي ستتجه إليه الضفة الغربية إلى حد ما على الأوضاع بعد الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس.

ومن المرجح أن تكون هذه المرحلة الانتقالية فترة محفوفة بالخطر بالنسبة للضفة الغربية، إذ تصطدم الآمال في تشكيل قيادة فلسطينية موحدة، التي ربما تفتح الباب أمام محادثات بشأن دولة فلسطينية في المستقبل، مع معارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

وقد يؤدي رفع القيود التي فرضتها إسرائيل بعد الهجمات، مثل الفصل بين سيارات الفلسطينيين وسيارات المستوطنين على بعض الطرق، إلى تصاعد الاحتكاك.

بيد أن أي انتفاضة مستمرة، من ذلك النوع الذي شهدناه قبل 20 عاما، من المرجح أن تتطلب تغييرا في سياسة الحركة الرئيسية في الضفة الغربية، بل وربما حتى تغيير زعيمها.

وقال الشقاقي: "يبدو أن فتح لا تزال تولي أهمية كبيرة تجاه حدوث انتفاضة". وطالما أن فتح والأجهزة الأمنية لا تشارك بشكل مباشر في الإعداد لمثل هذه الانتفاضة، فمن غير المرجح أن نرى تنظيما لمثل هذه الانتفاضة.

ويشير آخرون إلى تراجع الثقة بالسياسة الفلسطينية وعدم توفير السلام أو الدولة أو مجرد حياة أفضل للناس.

وقال رائد الدبعي : "إذا كان لدينا أي شيء على جدول الأعمال السياسي، فمن الممكن أن تسير الأمور بهدوء".

وأضاف: "لكنني لست متأكدا من وجود أي شيء ملموس في جعبة هذه الحكومة (الإسرائيلية) اليمينية، وبالتالي فإن السيناريو الوحيد الذي أراه هو الانفجار. إنها مجرد مسألة وقت".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار