اسلام اباد: مثل رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان أمام محكمة خاصة الأربعاء قررت حبسه ثمانية أيام على ذمة التحقيق، بحسب محاميه، بعد توقيفه بتهم فساد ما أثار تظاهرات احتجاج عنيفة من قبل أنصاره في كل أنحاء البلاد.
وقال علي بخاري، أحد محامي خان، لفرانس برس عبر الهاتف بعد جلسة استماع مغلقة "أقرّت المحكمة إيداع عمران خان في الحبس الاحتياطي لمدة ثمانية أيام".
وأوردت بعض وسائل الإعلام المحلية نقلاً عن مصادر لم تسمّها، أن المدّعين طلبوا إيداع خان الحبس الاحتياطي 14 يوماً.
وأفادت محطة "جيو تي في" التلفزيونية أنه سُمح لخان بالتشاور مع محاميه خلال الجلسة، لكن لم يتسّن تأكيد تفاصيل المحاكمة التي عقدت خلف أبواب مغلقة من مسؤولي المحكمة.
وقال محامو خان إن الهيئة الرئيسية لمكافحة الفساد في البلاد "المكتب الوطني للمساءلة" التي أمرت بتوقيف خان، طلبت من القاضي إيداعه الحبس الاحتياطي لمدة 10 أيام على الأقل.
وقال شير أفضل مروت المحامي عن حركة إنصاف لوسائل الإعلام إن خان "معنوياته جيدة" لكنه اشتكى من تعرضه للضرب على رأسه من الخلف ورجله من قبل القوات شبه العسكرية التي أوقفته.
أزمة سياسية طويلة
ويأتي توقيف خان، لاعب الكريكيت الدولي السابق الذي تولى رئاسة الحكومة من 2018 إلى 2022، في إطار أزمة سياسية طويلة في باكستان، بينما تستهدف عشرات التحقيقات القضائية خان (70 عاما) منذ إطاحته في 2022.
وكان خان اتهم خلال تجمع كبير نهاية الأسبوع في لاهور ضابط الاستخبارات الكبير الجنرال فيصل نصير بالتورط في محاولة لاغتياله في تشرين الثاني/نوفمبر، أصيب خلالها رئيس الوزراء السابق برصاصة في ساقه.
لكن بحسب الرواية الرسمية فإن محاولة الاغتيال هذه التي أصيب خلالها خان في ساقه هي من تنفيذ مسلح واحد اعترف في شريط فيديو بثته الشرطة بأنه منفذ الهجوم وهو حاليا قيد الاعتقال.
ومنذ تأسيس البلاد في العام 1947، أوقف العديد من السياسيين الباكستانيين وسجنوا، لكن حفنة منهم تحدوا بشكل مباشر الجيش الذي قام بثلاثة انقلابات على الأقل وحكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود.
واندلعت احتجاجات عنيفة بعد توقيف خان. واقتحم متظاهرون منزل القائد العسكري للاهور (شرق) وأغلقوا بوابات الدخول إلى مقر قيادة الجيش في روالبندي قرب إسلام أباد. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ضد المتظاهرين في كراتشي (جنوب) ولاهور.
وقال فاروق بهاتي وهو سائق شاحنة في روالبندي لوكالة فرانس برس صباح الأربعاء "فيما نكافح لإطعام أطفالنا، تفاقمت حالة عدم اليقين".
وأضاف "العنف لن يخدم أحدا... الجميع سيتأثر لكنني أشك في أن صناع القرار يهتمون".
بدوره، قال نياظ علي في بيشاور حيث أحرق العديد من النصب والمباني الحكومية "إذا كانوا يعتقدون أن اعتقال عمران خان سيؤثر علينا، فهم مخطئون".
وأضاف "نحن نقف مع عمران خان وسندعمه حتى الموت".
معارك ضارية
وأمرت السلطات بإغلاق المدارس في كل أنحاء البلاد وأبقت على تقييد الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك.
وخاضت الشرطة معارك ضارية مع أنصار حركة إنصاف الباكستانية التي يتزعمها خان في مدن عبر البلاد لساعات مساء الثلاثاء.
وأعلنت الشرطة الباكستانية الأربعاء أن حوالى ألف شخص أوقفوا في البنجاب، كبرى ولايات البلاد من حيث عدد السكان، منذ اندلاع الاحتجاجات بعد اعتقال رئيس الوزراء السابق عمران خان.
وقال مسؤولون في بيان لوسائل الإعلام إن "فرق الشرطة أوقفت 945 مخالفاً للقانون ومشاغباً من كل أنحاء الولاية"، موضحين أن 130 ضابطاً ومسؤولاً جرحوا في أعمال العنف التي اندلعت بعد اعتقال خان الثلاثاء.
وأغلق متظاهرون بعض الطرق المؤدية إلى إسلام أباد ظهر الأربعاء، لكن كان هناك وجود أمني كثيف في كل أنحاء العاصمة، خصوصا في المنطقة حيث عقدت المحكمة.
وفي السياق، وافقت الحكومة الباكستانية الأربعاء على نشر قوات في إقليم البنجاب للمساعدة في احتواء الاحتجاجات العنيفة، بحسب أمر رسمي من وزارة الداخلية.
من جهة ثانية، حض نائب رئيس الحركة شاه محمود قريشي أنصاره على الاستمرار في الاحتجاج "بطريقة قانونية وسلمية" مضيفا أن محامي الحزب سيقدمون استئنافا والتماسات ضد اعتقال خان.
لا "ثأر سياسياً"
وقال وزير العدل عزام نظير ترار في مؤتمر صحافي إنه لا "ثأر سياسياً" يحيط باعتقال خان.
ورفعت القضية التي أدت إلى توقيفه، الهيئة الرئيسية لمكافحة الفساد في البلاد "المكتب الوطني للمساءلة" التي قالت إنه تجاهل الاستدعاءات المتكررة للمثول أمام المحكمة.
وأضاف ترار "كل مرة كان يُستدعى إلى المحكمة (...) كان يأتي فقط بعد تلقيه تحذيرًا أخيرًا".
وواجه خان عشرات الاتهامات منذ إطاحته في نيسان/أبريل، وهو تكتيك يقول محلّلون إن الحكومات الباكستانية المتعاقبة استخدمته لإسكات معارضيها.
وقد يُمنع خان من تولي منصب عام في حال إدانته، الأمر الذي قد يؤدي إلى استبعاده من الانتخابات المقررة في وقت لاحق من هذا العام.
وجاء توقيف خان غداة تحذير وجهه الجيش له من إطلاق "مزاعم لا أساس لها" بعدما اتهم مجددا ضابطا كبيرا بالتآمر لقتله.
هذا التحذير الذي صدر مساء الاثنين، يظهر مدى تدهور العلاقات بين الجيش النافذ في البلاد وخان.
كان الجيش قد ساند في بادئ الأمر وصوله الى السلطة في 2018 قبل ان يسحب دعمه له ثم تمت إزاحة خان من السلطة عبر تصويت لحجب الثقة عن حكومته في البرلمان في نيسان/ابريل 2022.
وقال مايكل كوغلمان مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون إن "كبار مسؤولي الجيش لا ينوون ردم الهوة التي تفصلهم عن خان".
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الثلاثاء خلال مؤتمر صحافي مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي في واشنطن، إن الولايات المتحدة تريد "التأكد من أن كل ما يحدث في باكستان يتوافق مع حكم القانون والدستور".
وأضاف كليفرلي "نريد أن نرى ديموقراطية سلمية في ذلك البلد".