إيلاف من بيروت: في أكتوبر 2022، أعلنت المملكة العربية السعودية أن أوبك بلس ستخفض إنتاج النفط بشكل كبير: بمقدار مليوني برميل يوميًا. بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، أخذت السعودية دائمًا زمام المبادرة في جهود المجموعة لإدارة سوق النفط العالمية. كان لهذه الخطوة تأثير فوري وإن كان متواضعًا نسبيًا على أسعار النفط، التي ارتفعت من مستوى منخفض للعام بحوالي 76 دولارًا للبرميل قبل الإعلان إلى نطاق يتراوح بين 82 و 91 دولارًا بحلول منتصف نوفمبر. الصدمة التي شعر بها الأميركيون كانت جيوسياسية أكثر منها اقتصادية: طلبت إدارة بايدن من السعودية تأجيل الخفض، لكن الرياض تجاهلت واشنطن، فأعلنت إدارة بايدن أنها ستعيد تقييم علاقتها بالسعودية.
في الأشهر الفاصلة، تراجعت حدة التوتر بين الجانبين، وربما نجت العلاقات الأميركية - السعودية من أزمات أسوأ. يميل محللو ومراقبو الشؤون الأميركية - السعودية إلى التركيز على الأفراد وأجنداتهم. الأمير محمد بن سلمان يسعى إلى إعادة تشكيل اقتصاد السعودية ورفع دور بلاده كلاعب عالمي مستقل. الرئيس الأميركي جو بايدن لديه أسلوب أكثر حذرًا ويريد جعل الديمقراطية محور سياسته الخارجية، وحشد العالم ضد روسيا والصين. هذه الفجوة بين شخصيتي الرجلين مهمة بلا شك في تشكيل العلاقات بين البلدين.
يشير جدل أوبك بلس إلى ثلاثة تغييرات مهمة في العلاقة الثنائية: أولاً، تغير ميزان القوى العالمي. يتضاءل النفوذ النسبي لواشنطن مع تحول النظام الدولي إلى متعدد الأقطاب، ما يجعل الدول متوسطة القوة مثل السعودية أكثر ميلًا للتحوط من رهاناتها وأقل احتمالية لإلقاء نصيبها بقوة عظمى واحدة فقط؛ ثانيًا، بينما يدفع تغير المناخ العالم بعيدًا عن الوقود الأحفوري، تتعرض السعودية لضغوط للاستفادة من احتياطياتها النفطية بينما لا تزال تستطيع - شعور بالإلحاح يلوّن نهجها في الإنتاج والتسعير؛ وثالثًا، أصبحت مسألة علاقات الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية مستقطبة بشدة على طول الخطوط الحزبية في الولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى أن السعوديين أوضحوا تفضيلهم للجمهوريين.
لا تداخل استراتيجي
لم يعد التداخل الاستراتيجي الكبير الذي حدد العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية على مدى عقود موجودًا، لكن آفاق التعاون تظل جيدة.
عندما يستعرض القادة السعوديون المشهد الجيوسياسي، فإن الصورة التي يرونها تختلف بشكل ملحوظ عن الصورة التي يراها الأميركيون. إلى ذلك، لدى السعوديين شكواهم الخاصة. قام الرؤساء الأميركيون الثلاثة السابقون بحملتهم على أساس أن الولايات المتحدة بحاجة إلى قضاء وقت وجهد أقل في الشرق الأوسط. وهذا لا يبعث على الارتياح لنظام سعودي يرى في إيران تهديدًا إقليميًا خطيرًا. كان الهدف المعلن لتركيز الولايات المتحدة على منطقة الخليج العربي على مدار السبعين عامًا الماضية هو حماية التدفق الحر للنفط. لكن عندما شنت إيران هجومًا بالصواريخ والمسيّرات على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، لم تفعل إدارة ترمب شيئًا، على الرغم من العلاقات الوثيقة التي عززتها مع الرياض.
لم تعد المملكة شريكًا تلقائيًا للولايات المتحدة. العلاقة الاستراتيجية الحميمة للعصور السابقة لن تعود. لكن التعاون المحدود ممكن. من وجهة نظر الرياض، على المملكة استغلال فرصتها الأخيرة للاستفادة قبل انتهاء عصر النفط. هذا هو الافتراض وراء خطة إعادة الهيكلة الاقتصادية الطموحة الخاصة برؤية 2030 لولي العهد السعودي لخلق اقتصاد سعودي أكثر تنوعًا ضغط تغير المناخ، والانتقال إلى أنواع الوقود البديلة، والتغيرات التكنولوجية الأخرى. ويحتاج ولي العهد السعودي إلى كل النفوذ الذي يمكنه الحصول عليه للاستثمار في القطاعات غير النفطية للاقتصاد السعودي ولحماية شعبه من العواقب المؤلمة للإصلاحات الضرورية، مثل خفض الدعم الكبير للمرافق العامة، بما في ذلك المياه والكهرباء، وإدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15 في المئة. وهذا يفسر سبب استهداف سياسة النفط السعودية في الحفاظ على الأسعار عند مستوى يمكن أن يمول خطط محمد بن سلمان الطموحة ولا يزال يحافظ على مستوى ثابت من الطلب العالمي.
إذا كانت التغييرات المهمة التي تؤثر على العلاقات الثنائية من الجانب السعودي تتعلق بالاقتصاد السياسي، فإن التغييرات الأميركية المحلية تتعلق بالسياسات الحزبية. انجذبت العلاقات الأميركية السعودية، مثل العديد من القضايا الأخرى، إلى دوامة الاستقطاب الحزبي في السياسة الأميركية. لم يُخفِ ترمب حبه للسعوديين، وللأمير محمد بن سلمان على وجه الخصوص. في خطوة غير مسبوقة، جعل من الرياض أول عاصمة أجنبية يزورها. وتفاخر في مبيعات الأسلحة التي تفاوض عليها مع المملكة.
عندما تولت إدارة بايدن السلطة، قامت بازدراء السعودية، وهو الموقف الذي عبر عنه الرئيس خلال الحملة الانتخابية، ثم رفض بايدن التحدث مع ولي العهد السعودي، وقلصت واشنطن دعمها للجهود الحربية السعودية لدعم السلطات الشرعية بوجه التمرد الحوثي في اليمن، وسحبت صواريخ باتريوت المضادة للطائرات من المملكة في الوقت الذي واجهت فيه الرياض هجمات صاروخية حوثية.
طريقة بايدن الخرقاء
تسببت الحرب في أوكرانيا والارتفاع اللاحق في أسعار النفط في إعادة بايدن النظر في هذا السلوك. كان عزل السعوديين ممكناً أثناء انخفاض الطلب العالمي على النفط أثناء جائحة كوفيد. لكن عندما حاولت الولايات المتحدة قطع صادرات النفط الروسية مع تعافي الاقتصاد العالمي والطلب على النفط، احتاجت واشنطن إلى السعودية. كانت الرياض واحدة من الجهات القليلة التي يمكنها ضخ المزيد من النفط على الفور. ومع ذلك، فإن رحلة بايدن إلى السعودية لم تحقق الكثير، بل ولدت المزيد من المشاعر السيئة. استاء السعوديون من ادعاء الولايات المتحدة بأن بايدن لم يأت للقاء ولي العهد بل لحضور اجتماع متعدد الأطراف مع دول مجلس التعاون الخليجي.
تعامل بايدن مع العلاقة مع السعودية بطريقة خرقاء، لكن السعوديين بالغوا في احتضانهم ترمب الذي لم يتحرك للدفاع عن المملكة عندما هاجمت إيران منشآتها النفطية. ويبدو أن السعودية خلصت إلى أنها لا تستطيع الحصول على دعم الديمقراطيين، ويمكنها أن تأمل في عودة الجمهوريين.
الخطوة الأولى في الحفاظ على العلاقة مع السعودية هي إدراك كيف تغيرت. ولت الأيام التي كانت فيها السعودية تقف تلقائيًا إلى جانب الولايات المتحدة في القضايا الاستراتيجية الكبرى. بالنسبة للسعوديين، تلوح الصين وروسيا الآن في الأفق أكثر من أي وقت مضى. هذا لا يعني أن الرياض ستعمل ضد الولايات المتحدة على المستوى العالمي. هذا يعني فقط أن السعوديين سينظرون في القضايا كل على حدة. سيتطلب ذلك من الولايات المتحدة اتباع نهج مفتوح واستشاري، والحفاظ على قنوات الاتصال لإقناع السعوديين بالمصالح المشتركة.
في ما يتعلق بالقضايا الكبرى في الشرق الأوسط، فإن واشنطن والرياض ليستا بعيدتين الواحدة عن الأخرى. لم تعد العقبة التقليدية، وهي العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تشكل عقبة، وذلك بفضل الدفء في العلاقات السعودية الإسرائيلية. السعوديون على استعداد متزايد للعمل مع إسرائيل، حتى لو لم يكونوا مستعدين بعد لاتباع البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة في ما يسمى باتفاقات أبراهام، والتي من خلالها قامت تلك الدول بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
أنشطة إيران
نقطة توتر أخرى مع الرياض تبدو فجأة أقل بروزًا هي جهود واشنطن لتقليص أنشطة إيران النووية من خلال الدبلوماسية، والتي يخشى السعوديون من أن تنطوي على تنازلات لإيران من شأنها أن تعزز نفوذ طهران الإقليمي. يبدو من المرجح أن جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحب ترمب منه في 2018، ستفشل. سيتعين على واشنطن حتماً أن تجد سياسة جديدة لردع أو منع إيران من الحصول على أسلحة نووية مع الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة أو تقليصه. المملكة العربية السعودية لديها نفس المصلحة.
على الرغم من خلافاتهما حول أسعار النفط، لا تزال المصالح الاقتصادية للبلدين متداخلة في نواحٍ مهمة. يشتركون في مصلحة الحفاظ على هيمنة الدولار الأميركي. وتسعّر الرياض نفطها بالدولار، وهو ما يدعم دور الدولار كعملة احتياطية للعالم لأن مستهلكي النفط يجب أن يكون لديهم دولارات في متناول اليد لتمويل احتياجاتهم من الطاقة.
أخيرًا، من مصلحة كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مواصلة التعاون في القضايا العسكرية والاستخباراتية. بالنسبة للسعودية، لا الصين ولا روسيا تستطيعان توفير مستوى التعاون الأمني الذي تستطيع الولايات المتحدة القيام به. يمكن لواشنطن وحدها إبراز قوة عسكرية كبيرة في منطقة الخليج العربي، كما ظهر خلال حرب الخليج 1990-1991. والولايات المتحدة تستفيد من التعاون أيضًا. تقلل مشتريات الأسلحة السعودية من تكاليف الوحدة لإنتاج الأسلحة الأميركية وتربط بين جيشي الدولتين، مما يعزز شراكة طويلة الأمد. مع الفشل المحتمل للمحادثات النووية مع طهران، تزداد فرصة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. التعاون مع المملكة العربية السعودية في حالات الطوارئ العسكرية يزيد من الكفاءة العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي يردع إيران.
على الديمقراطيين قبول حقيقة أن لا معنى لتجاهل الأمير محمد بن سلمان، الحاكم المستقبلي للمملكة العربية السعودية. وفي التكوين العالمي الجديد، سيتعين على واشنطن أن تجتمع مع الرياض في كثير من الأحيان، لإقناع المملكة برؤية الأمور على طريقتها.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "فورين أفيرز"