سنة 2021 عمل الجناح الأصولي الراديكالي في النظام الإيراني الذي يتألف عملياً من تحالف رجال الدين المحافظين والماكينة الأمنية والعسكرية، المتمثلة عامةً بمؤسسة "الحرس الثوري"، على حسم مسألة التجانس تحت لافتة الأصوليين في السلطة الإيرانية في مختلف مؤسسات الدولة، في مجلس النواب في مطلع 2021 لما سيطر المحافظون على الأغلبية الساحقة من المقاعد، ثم جاءت الانتخابات الرئاسية في حزيران - يونيو 2021 لتحمل بكل الوسائل المتاحة ممثل التحالف الأصولي العسكري الأمني إلى رأس السلطة التنفيذية المؤلفة من رئاسة الجمهورية والحكومة.
وإذا ما أضفنا إلى السلطتين السلطة القضائية التي كانت أصلاً بيد التحالف المذكور الذي يقف على رأسه المرشد علي خامنئي، أمكن القول إن إيران دخلت منذ الربع الثالث من 2021 مرحلة التهيئة لفرض التجانس الأيديولوجي والفئوي في مؤسسات الدولة، توطئة لمرحلة التحرر من التزامات الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتهيئة لمرحلة ما بعد المرشد الذي تقدم في العمر وبدأت معركة خلافته في التبلور أكثر من أي وقت مضى.
هكذا دخلت إيران سنة 2022 وهي في قبضة سلطة انعدمت فيها الخيارات والمتنفسات في حدها الأدنى من داخل النظام. فقد جرت إطاحة الجناح الإصلاحي الذي كان يشكل حماية للنظام ككل من خلال قدرته على استيعاب توجهات المعارضة ومناخات الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
بعد وصول إبراهيم رئيسي الآتي من رئاسة السلطة القضائية، جرى سن قوانين أكثر تشدداً في ما يتعلق بلباس المرأة كرمز لما سُمي بالعودة إلى الينابيع والأصول، وفي الوقت عينه لم تتحسن ظروف الإيرانيين المعيشية، ولا فتح أمامهم باب أمل بزوال نظام العقوبات الذي أسهم بزيادة حجم الفساد الذي تمارسه وجوه كبيرة من تحالف رجال الدين الأصوليين والعسكر. ومن الجدير الإشارة إلى أن علاقات إيران بدول الإقليم ظلت سيئة في معظم الأحيان، ما أبقى أكبر دولة إقليمية في حالة من الحصار ومشاريع الحروب المتنقلة.
لم يكن الخارج يتوقع أن تأتي حادثة اعتقال "شرطة الأخلاق" فتاة في التاسعة عشرة من عمرها تدعى مهسا أميني، كانت تتجول خلال إجازة مع عائلتها في شوارع طهران ومقتلها تحت التعذيب، لتشعل بموتها في السادس عشر من أيلول – سبتمبر موجة احتجاجات نسائية شبابية وشعبية، تحوّلت عملياً إلى ثورة متعددة الوجوه غطت عشرات المدن الإيرانية الرئيسية على مدى أكثر من مئة يوم، ولا تزال رغم القمع المخيف الذي تعرض له المحتجون، قتلاً وجرحاً واختطافاً وسجناً وإعداماً، بحيث أمكن القول إن 2022 تميز إيرانياً من خلال هذه الموجة الثورية في البلاد التي هزت رمزية النظام على مستوى العقيدة، كما أصابت شرعيته بأعطاب كبيرة بسبب تجرؤ المحتجين على الرموز التي كانت معتبرة قبل 2022 مقدسة، مثل الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية والمرشد علي خامنئي وآخرين، في مقدمتهم قاسم سليماني الذي يعتبر رمزاً لمؤسسة "الحرس الثوري" المتحكم بالأرض بقوة الأمن والعسكر.
أكثر من ذلك، ظهر أن موجة الاحتجاجات صوّبت على البناء الأيديولوجي العقائدي والثقافي والقيمي للنظام، وهذا الأمر خطير للغاية ويمثل عملياً بداية الطلاق الكبير بين الشريحة الأكبر من الشعب الإيراني وحكامه، خصوصاً أن الشريحة الأكبر من المحتجين على الأرض كانوا ولا يزالون من فئة الشباب. ولا ننسى هنا أن نشير إلى نجاح الموجة الاحتجاجية في استقطاب القسم الأكبر والأكثر توهجاً بين النخب الثقافية والفنية والرياضية علناً. وهذه سابقة.
توشك السنة على الانقضاء، والموجة الثورية الاحتجاجية المتعددة الوجوه لا تزال قائمة، وإن تراجعت إلى حد كبير بسبب القمع الدموي الذي تعرضت له على الأرض. لكن من الواضح أن النظام فشل في طي الصفحة كما حصل عامي 2009 و2018. هذه المرة الأزمة هي أزمة نظام، والموجة الاحتجاجية التي أشعلتها قضية حريات المرأة وحقوقها سرعان ما تحولت إلى بذور ثورة حقيقية تعتمل في عمق المجتمع الإيراني، وقد تنفجر انفجاراً أوسع في أي وقت، وتزيد من تخلخل النظام من الداخل. إنها مسألة وقت قبل أن تشتعل شوارع طهران والمدن من جديد. سنة 2022 كان حصاد النظام في إيران مُراً، أما 2023 فستكون سنة المخاطر الداخلية الكبرى.
2022.. حصاد النّظام الإيراني المُرّ
مواضيع ذات صلة