أكد مسؤول بارز في الجيش الإثيوبي، أن القوات الحكومية تخطط لاقتحام مدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي، و"سحق" القوات المتمردة.
وجاءت تصريحات المسؤول الحكومي خلال مقابلة بثتها التلفزة الحكومية، وسط مساع دولية لحل الأزمة، التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام، بشكل سلمي.
أزمة تيغراي: "مقتل العشرات في غارة جوية على مخيم نازحين"
ما هي الجماعات المتمردة التي وحدت صفوفها ضد الحكومة الإثيوبية؟
وخلال المقابلة، قال أبيباو تاديسي، نائب رئيس الأركان في الجيش الإثيوبي، إن البلاد لن تشهد أي نوع من السلام حتى يتم التخلص بشكل كامل من قوات جبهة تحرير شعب تيغراي المتمردة.
وأضاف "إقليم تيغراي، جزء من إثيوبيا، ولن يوقفنا أحد عن اقتحام الإقليم، ومحو الأعداء، ليس هناك أي لبس في هذا الصدد"، داعيا المواطنين الإثيوبيين ألا يفترضوا أن الهدوء الذي ساد جبهات القتال مؤخرا يعني "أن الحرب قد انتهت".
تصريحات صادمة
وتقول محررة الشؤون الأفريقية في بي بي سي، ماري هاربر، إن تصريحات أبيباو ولهجته تشكل صدمة لكثيرين، خاصة وأنها تأتي بعد نحو أسبوعين من دعوة آبي أحمد جميع الأطراف لمصالحة وطنية، وإفراجه عن عدد من السجناء السياسيين.
وكانت جبهة تحرير شعب تيغراي، قد أعلنت من جانبها أنها مستعدة للانخراط في عملية الوصول إلى حل سلمي للأزمة.
وبناء على هذا شهدت الفترة الماضية مساعيا دبلوماسية لإنهاء الصراع، بينما يزور مسؤولان دبلوماسيان، أمريكيا أديس أبابا الأسبوع الجاري، لمحاولة الدفع قدما باتجاه وقف لإطلاق النار، وبدء محادثات بين الأطراف المختلفة في الصراع.
وتشهد البلاد الواقعة في القرن الأفريقي حربا دامية مستمرة منذ أكثر عام بين القوات الحكومية من جهة، وقوات جبهة تحرير شعب تيغراي وقوات أخرى متحالفة معها من جهة أخرى. وقد عرفت جبهات القتال تبدلا في هوية القوات المسيطرة عليها على امتداد أمد الحرب.
وتتهم الجبهة، رئيس الوزراء آبي أحمد بمحاولة تغيير نظام حكم البلاد القائم على أساس التحالفات القبلية، للسيطرة على إثيوبيا، بينما يتهم رئيس الوزراء، الجبهة التي حكمت البلاد لعقود، بمحاولة استعادة السلطة، بشكل عسكري.
وتسيطر قوات الجبهة على غالبية مناطق إقليم تيغراي، شمال غربي البلاد، لكنها خاضعة لحصار من أربع جهات، بواسطة قوات الجيش الحكومي، والقوات المتحالفة معه، من إقليمي العفر، والأمهرة.
وجاء ذلك بعدما كانت قوات الجبهة قابعة على مشارف العاصمة أديس أبابا بضعة أسابيع، وسط ما يشبه الانهيار للجيش الإثيوبي، قبل أن تنقلب الصورة بشكل كامل خلال الأسابيع الماضية.
وكانت أديس أبابا قد أعلنت الشهر الماضي، أنها لن تصدر أوامر عسكرية لقواتها بالتقدم إلى عمق أراضي إقليم تيغراي.
وتسببت الحرب الأهلية في البلاد في تشريد ملايين المدنيين، في ظروف تشبه المجاعة في شمال وغربي إثيوبيا.
"صراع عرقي"
وتنظر أطراف الصراع في إثيوبيا إلى تاريخ البلاد بشكل مختلف تماماً. فقد أطيح بالامبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي في انقلاب عام 1974. واستولت على السلطة طغمة عسكرية عرفت باسم "الدَرغ"، وهو مختصر لاسم لجنة التنسيق بين القوات المسلحة والشرطة والجيش في الأقاليم.
وقد تسبت الطغمة العسكرية بما عرف بـ "الإرهاب الأحمر" سيء السمعة، عندما قتل عشرات الآلاف من الشباب على يد النظام العسكري، ووقعت حرب أهلية طويلة ضد المتمردين في جميع أنحاء البلاد.
ويتذكر سكان تيغراي تلك السنوات بوصفها سنوات من الظلام، عندما أجبرهم القصف اليومي لطائرات سلاح الجو على التحرك في الليل فقط.
وهزم تحالف حمل اسم الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (إي بي أر دي أف) قادته جبهة تحرير شعب تيغراي، الحكومة العسكرية في عام 1991.
وعلى مدار 27 عاما من سيطرة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية على السلطة انتهت المجاعة والحرب الأهلية التي جرت على نطاق واسع في البلاد، لكن إثيوبيا لم تر الديمقراطية. ويصف رئيس الوزراء آبي وأتباعه هذه السنوات بـ "27 عاماً من الظلام".
وشعر جيل صاعد من الشباب بأن أصواتهم قد كتمت وبأنهم حرموا من المشاركة في الحياة السياسية. ويعيدون أسباب ذلك إلى من يصفونهم بأنهم زمرة من التيغراي هيمنوا على السياسة والجيش والاقتصاد لمصلحتهم الخاصة.
وقد قادت موجة السخط تلك إلى أن يكتسح آبي أحمد، وهو من إثنية الأورومو، السلطة، بعد أن اختارته الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية زعيما للحزب ومن ثم رئيساً للوزراء في عام 2018.
وقد أشعلت 3 قرارات نيران الغضب لدى جبهة تحرير شعب تيغراي وهي تقارب آبي مع إريتريا عدوهم اللدود، وتشكيل حزب وطني جديد ليحل محل ائتلاف يقوم على أساس عرقي، وتأجيل الانتخابات العامة. ومن جانبها، تقول الحكومة إن قوات تيغراي هي التي أشعلت فتيل الصراع عندما هاجمت قوات اتحادية متمركزة في الإقليم.
وقوبل كل قرار بموقف غاضب من الجبهة، وتفجر بعدها صراع هز المنطقة. فعلى الحدود الشمالية لإثيوبيا تقع دولة إريتريا التي حصلت على استقلالها عن إثيوبيا عام 1991 بعد حرب دامت ثلاثة عقود. واندلع الصراع مجددا بسبب نزاع حدودي بين عامي 1998 و2000 ولقي عشرات الآلاف حتفهم.
وكانت الجبهة هي التي قادت تلك الحرب، وهي تعتبر إريتريا عدوا لدودا.
وبعد أشهر من وصول آبي إلى السلطة، وقع اتفاق سلام مع إريتريا في 2018 حصل رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب بعده على جائزة نوبل للسلام عام 2019.
كما قام آبي بخطوات سريعة لدفع السياسة الإثيوبية في اتجاه أكثر ليبرالية، وحلّ تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الأثيوبية، وأنشأ حزبا جديداً سماه حزب الرخاء.
ويقول آبي أحمد إن جبهة تحرير شعب تيغراي تجاوزت الخط الأحمر عندما أجرت انتخابات إقليمية في سبتمبر/ أيلول 2020.
ولم تأذن الحكومة الفيدرالية بهذه الانتخابات ولم يكن حزب الرخاء قادراً على خوض المنافسة فيها.
وترد جبهة تحرير شعب تيغراي، بقولها إنه كان من المقرر إجراء الانتخابات الوطنية في وقت سابق من العام وإنها أجلت مراراً وتكراراً، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى وباء كوفيد-19، وإلى أن ولاية الحكومة قد انتهت دون موعد محدد لإجراء الاقتراع. وتقول الجبهة إن حكومتها هي الحكومة الإقليمية الوحيدة التي تحظى بتفويض من الناخبين.
جبهة تحرير شعب تيغراي
التوترات في تيغراي ليست جديدة. فهي موطن 7 ملايين شخص من أصل 122 مليون نسمة عدد سكان إثيوبيا.
وأبناء تيغراي هم ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد بعد الأورومو والأمهرة.
وتنقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتي إلى حد كبير ولكن مع مؤسسات مركزية.
وهناك عداء شديد للحكومة المركزية في هذه المنطقة التي عانت بشدة خلال الفترة الطويلة من الحكم العسكري والحرب الأهلية، التي أعقبت خلع الإمبراطور الإثيوبي الأخير هيلا سيلاسي عبر انقلاب عسكري عام 1974.
وكانت تيغراي بؤرة المجاعة بين عامي 1983 و 1985 التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وأكثر من مليوني نازح داخلياً.
وبعد الانقلاب العسكري الفاشل في عام 1989، تقدمت الجبهة باتجاه شيوا وجذبت أنصارها من مناطق أخرى، ونجحت في العام نفسه في السيطرة على المنطقة وانضمت إلى القوى الأخرى لتشكيل الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية التي ألحقت سلسلة من الهزائم بالقوات الحكومية، وفي تلك الفترة أوقف السوفييت شحن المزيد من السلاح للحكومة الموالية لهم.
وبعد الإطاحة بالحكومة الإثيوبية التي كان يهيمن عليها الأمهرة في عام 1991، جاءت حكومة يقودها زعماء تيغراي وهو الأمر الذي كان مصدرا للصراع المستمر طوال تسعينيات القرن الماضي.