يريد مقتدى الصدر، الفائز في الانتخابات العراقية، تشكيل حكومة أغلبية، ويحاول كسب خصومه الشيعة ليفعل ذلك.
إيلاف من بيروت: قبل أيام، اجتمع أربعة رجال لتناول طعام الغداء في النجف في منزل والد مقتدى الصدر. دعا رجل الدين الشيعي صاحب النفوذ، الذي كان مصرًا على تأكيد فوزه في الانتخابات البرلمانية، كلًا من هادي العامري، رئيس كتلة الفتح، وقيس الخزعلي، قائد الفصيل الشيعي المسلح القوي عصائب أهل الحق، وفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي شبه العسكرية. وقال مصدر مقرب من أحد القادة الأربعة لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني إنهم كانوا هناك من أجل "مناقشة رؤاهم حول تشكيل الحكومة المقبلة".
كشف الصدر عن أفكاره حول مستقبل العراق السياسي: حكومة أغلبية يقودها بنفسه، تترك رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وعددًا من القوى السياسية الشيعية في العراء. ووفقًا لاثنين من القادة السياسيين الشيعة المطلعين على الاجتماع في المدينة الجنوبية المقدسة، قدم الصدر خططًا مفصلة لضيفيه. مع ذلك، قال أحدها أن الغداء "المغلق"، الذي استمر عدة ساعات، "انتهى من دون إحراز أي تقدم حقيقي"، والوقت يضيق قبل أن يجتمع البرلمان العراقي الجديد لانتخاب قادة جدد للبلاد.
وصادقت المحكمة العليا بشكل نهائي الاثنين الماضي على نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر. خرج الصدر منتصرًا وحصلت قائمته على 74 مقعدًا. وحل رئيس البرلمان المنتهية ولايته محمد الحلبوسي ثانيًا، وحصل "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي على المرتبة الثالثة بـ35 مقعدًا. وكان "الفتح"، الجناح السياسي للجماعات المسلحة المدعومة من إيران، واحدًا من أكبر الخاسرين في الانتخابات: فاز مرشحو التحالف من الفصائل بـ 17 مقعدًا فقط، أي أقل من نصف عائدها في الانتخابات السابقة.
وتأتي الآن جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب والتي تم الترتيب لها في 9 يناير الجاري. وأعرب الصدر عن أمله في أن يؤدي هذا الغداء في النجف إلى تسريع مفاوضات تشكيل الحكومة قبل اجتماع البرلمان.
نقل موقع "ميدل إيس آي" عن أحد من حضروا غداء النجف: "لا يزال الصدر يصر على تشكيل حكومة أغلبية سياسية تضم عددًا من القوى الشيعية التي فازت في الانتخابات، لكن ليس جميعها"، مضيفًا أن مصلحة العراقيين تقتضي دفع إحدى القوى الشيعية الرئيسية إلى المعارضة، بينما تقوم قوة شيعية أخرى بتشكيل الحكومة وتتحمل المسؤولية الكاملة عن أدائها وأداء رئيس وزرائها ووزرائها. لكن أحد القائدين الشيعيين الحاضرين لم يكن مقتنعا برؤية الصدر. وأضاف: "لا يمكن أن نكتفي بتفكيك الكتل الشيعية بينما تتحد الكتل الكردية والسنية في تشكيل الصدر. وهذا سيؤدي إلى إضعاف وتفريق القوات الشيعية".
ما يريده الصدر
تتزاحم القوى السياسية وتتنافس وتقوض بعضها البعض في صراع من أجل مكاسب مشروعة وغير مشروعة أكبر من أي وقت مضى. وقبيل انتخابات أكتوبر، أثرت حوادث مختلفة في قطاعات تحت إشراف الصدر - الصحة والكهرباء - ما دفع رجل الدين إلى اتهام منافسيه بمحاولة إضعافه. قتل نحو 150 شخصا في حريقين في مستشفى ببغداد والناصرية في أبريل ويوليو، حادثان بدا فيهما أن الفساد والإهمال يلعبان دورًا رئيسيًا. وتعرضت عشرات أبراج نقل الطاقة للتخريب في المحافظات الوسطى والجنوبية في نفس الفترة، وهي أماكن يديرها أيضًا حلفاء الصدر.
لمواجهة الصدر، أعادت القوات الشيعية الخاسرة، بقيادة الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، إحياء "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، وهو تشكيل سياسي قديم. لكن نواب الصدر قاطعوها قبل الانتخابات. ثم تولى المالكي، العدو اللدود للصدر، رئاسة «الإطار التنسيقي»، حيث يملك أكبر عدد من المقاعد بين قوى الإطار. ويجمع التجمع من دون الصدر نحو 60 مقعدا.
الآن، الصدر مصمم على تشكيل حكومة أغلبية، مقابل منافسيه الشيعة المصممين على الحفاظ على نظام تقاسم السلطة. أحد التكتيكات التي يستخدمها الصدر، وفقًا لزعيم سياسي شيعي، هو عرض تسليم مسؤوليات تشكيل الحكومة والذهاب إلى المعارضة بنفسه. وقال قيادي شيعي بارز: "باختصار الصدر يسعى لتفكيك الإطار التنسيقي، في الوقت الذي يسعون فيه لإجباره على العودة إلى أحضانهم. وتخشى القوى الشيعية أن يشكل الصدر حكومة، كما أنها تخشى ذهابه إلى المعارضة". فذهاب الصدر إلى المعارضة يعني أن الحكومة المقبلة لن تكون مستقرة ابدًا وانها قد تسقط بعد أشهر أو أسابيع. أما سيطرته الكاملة على الحكومة والبرلمان، فهذا يعني أنه سيلاحقهم الواحد تلو الآخر. فالصدر لن يغفر لهم ما فعلوه به قبل الانتخابات ولن ينسى خصامه القديم مع المالكي والخزعلي.
سيناريوهات متوقعة
الصدر يعرف نقاط القوة في "الإطار التنسيقي"، ولكن الأهم من ذلك نقاط ضعفه. يريد كل من المالكي والعامري والخزعلي جميعًا أن يُنظر إليه على أنه القائد الأعلى للقوات الشيعية العراقية المرتبطة بإيران. وقد منحت هذه التنافسية الصدر فرصة لمحاولة إبعاد العامري والخزعلي وفياض عن حلفائهم.
الخزعلي، الذي يطمح لقيادة الفصائل الشيعية المسلحة وكتلة الفتح، لديه مشاكل حقيقية مع العامري، زعيم الفتح المتهم بالإشراف على تأجيل خسارة الانتخابات. كما هناك خلافات بين عصائب أهل الحق بزعامة الخزعلي وفصائل مسلحة أخرى بقيادة كتائب حزب الله، حول القيادة والنفوذ والإيرادات. يمكن أن يوفر الصدر غطاء وحماية الخزعلي وسط هذه الخلافات، ويقال إن زعيم العصائب مهتم بما يقدمه رجل الدين.
من ناحية أخرى، أصبح فياض الحلقة الأضعف بين القوى الشيعية المرتبطة بإيران منذ مقتل أبو مهدي المهندس، عراب الفصائل المسلحة في يناير 2020، والذي كان أعظم داعمي فياض. مع عدم وجود دعم حقيقي على الأرض، فهو بحاجة إلى حامية جديدة لتأكيد مكانه كرئيس لهيئة الحشد الشعبي - وهو منصب يطمع به الكثيرون.
أما العامري الذي يقود منظمة بدر المخضرمة، فمن المعروف أنه الأقل ميلًا للانخراط في الصراعات السياسية، ويتمتع بسمعة الاستقرار والبراغماتية. رغم خلافات العامري الكبيرة مع قادة الفصائل المسلحة حول بعض مواقفهم السياسية تجاه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والصدر في الأشهر الأخيرة، إلا أنه لم يسعى أبدًا إلى أن يكون أداة في تعميق هذه الخلافات ولعب دور الوسيط دائمًا. بين جميع الأطراف المتصارعة. لذلك، متوقع أن ينضم إلى الصدر في نهاية المطاف باعتباره "عامل تهدئة" بين رجل الدين وخصومه الشيعة.
خيارات قليلة
عاد العامري بعد اجتماع الاربعاء وحده إلى بغداد للقاء قيادات الاطار التنسيقي في منزل المالكي. ولم يحضر الخزعلي وفياض ذلك الاجتماع. وقال مقرب من زعيم شيعي بارز : "حاليًا لا خيارات كثيرة للجميع. إما أن يتخلى الصدر عن مشروعه ويتحالف مع قوى الإطار التنسيقي لتشكيل حكومة تقاسم السلطة، أو يقاوم الضغط ويمضي قدما في مشروعه. نجاح الصدر سيعني تفكك الإطار التنسيقي، وبما أن هذا التشكيل يقوم على تحالفات تكتيكية مؤقتة بدلًا من تحالفات سياسية استراتيجية، فمن المرجح تفككه".
على غير العادة بالنسبة للعراق، بقيت ثلاثة مؤثرات قوية - واشنطن وطهران والسلطات الدينية في النجف - خارج الإجراءات حتى الآن. الزعيم الشيعي يتوقع استمرار هذا الوضع. وقال: "الغريب أن إيران وأميركا لم تتدخلا بعد، ما يعني أن اللعبة محلية بحتة، ولم تقل النجف كلمتها بعد. لذلك من الصعب رؤية أكثر من هذين السيناريوهين على الأفق".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ميدل إيست آي".