: آخر تحديث
رغم تقدم غير مسبوق في الحد من الفقر والجوع والمرض

تقرير للأمم المتحدة: غياب المساواة وراء احتجاجات العالم

81
60
67
مواضيع ذات صلة

قال تقرير صادر من الأمم المتحدة إن عدم المساواة هو السبب الرئيس للاحتجاجات التي تجتاح أماكن عديدة من العالم حاليًا.

إيلاف من القاهرة: أوضح التقرير الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن التظاهرات التي تجتاح أماكن عديدة من العالم حاليًا، تشير إلى أنه رغم التقدم غير المسبوق الذي تحقق في الحدّ من الفقر والجوع والأمراض، إلا أن مجتمعات عديدة لا تؤدي وظائفها كما ينبغي لها. والقاسم المشترك بين هذه التظاهرات، كما يدفع تقرير جديد صادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هو عدم المساواة.

قال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، آخيم شتاينر، "ثمة محركات مختلفة تدفع الناس إلى النزول إلى الشوارع – مثل كلفة بطاقة القطار، أو أسعار مشتقات البترول، أو المطالبة بالحريات السياسية، أو السعي إلى تحقيق الإنصاف والعدالة. وهذه هي الأوجه الجديدة لعدم المساواة، وكما يوضح تقرير التنمية البشرية الحالي، عدم المساواة ليس أمرًا يتعذّر حله".

يقرر تقرير التنمية البشرية للعام 2019، الذي يحمل عنوان: "ما وراء الدخل والمتوسط والحاضر: أوجه عدم المساواة في القرن الحادي والعشرين"، إنه في الوقت الذي تتقلص فيه الفجوة في مستويات المعيشة الأساسية لملايين الناس، تطورت كذلك متطلبات الازدهار.

ووفقاً للتقرير التي تلقت "إيلاف" نسخة منه عبر مكتب الأمم المتحدة في القاهرة، فقد بدأ يظهر جيل جديد من عدم المساواة، في ما يخص التعليم، وما يخص التقنيات وتغير المناخ - اللذين يشكلان تحولين جوهريين من الممكن أن يؤديا، إذا لم يُعالجا، إلى "تفاوتات عظيمة جديدة" في المجتمع، لم نشهد مثلها منذ الثورة الصناعة.

فعلى سبيل المثال، في البلدان التي تتمتع بتنمية بشرية عالية جدًا تزيد الاشتراكات في الإنترنت الثابت عريض النطاق بمعدل أسرع بخمسة عشر ضعفًا، كما تزيد نسبة البالغين الحاصلين على تعليم جامعي بمعدل أسرع بستة أضعاف، مقارنة بالبلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة.

ويقيم مدير فريق تقرير التنمية البشرية، بيدرو كونسيساو، الحجة بأن "ما كان يعتبر سابقًا أمرًا ’يُستحسن الحصول عليه‘، من قبيل الالتحاق بالجامعة أو الحصول على اشتراك إنترنت ثابت عريض النطاق، بات يُعتبر وعلى نحو مطرد أمرًا مهمًا للنجاح. وافتقد أولئك الذين يحصلون على الأساسيات فقط، درجات مهمة في ارتقائهم سُلَّم المستقبل". وكان تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي رائدًا في قياس تقدم البلدان بطريقة شاملة تتجاوز قياس النمو الاقتصادي وحده.

التقرير يحلل أوجه عدم المساواة في ثلاث خطوات: ما وراء الدخل، وما وراء المتوسطات، وما وراء الحاضر. ويضيف التقرير بأن مشكلة عدم المساواة لا تستعصي على الحل، ويقترح مجموعة من خيارات السياسات العامة للتعامل مع المشكلة.

وأوضح التقرير أن التوزيع غير المتساوي للتعليم والصحة ومستويات المعيشة كبح تقدم البلدان. وبناء على هذين المقياسين، فقدت معدلات التقدم في التنمية البشرية 20 في المئة من قيمتها بسبب عدم المساواة في عام 2018.

يوصي التقرير بتطوير سياسات تأخذ الدخل في الاعتبار، ولكن تتجاوزه أيضًا، بما في ذلك: الاستثمار في الطفولة المبكرة وعلى مدى دورة الحياة: أوجه عدم المساواة تبدأ حتى قبل الولادة، ويمكن أن تتراكم وتتضخم عبر الفروقات في الصحة والتعليم لتمتد إلى مرحلة البلوغ. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأميركية يتعرف الأطفال المنحدرون من والدين مهنيين إلى ثلاثة أضعاف الكلمات التي يتعرّف إليها الأطفال المنحدرون من أسر تحصل على معونات الرفاه، وهذا يؤدي إلى تأثير لاحق على نتائج الامتحانات في مرحلة لاحقة من الحياة. لذا، يجب على السياسات الرامية إلى معالجة عدم المساواة أن تبدأ قبل الولادة، بما في ذلك سياسات للاستثمار في تعليم الأطفال الصغار وصحتهم وتغذيتهم.

ودعا التقرير إلى ضرورة أن تستمر مثل تلك الاستثمارات على امتداد حياة الشخص، عندما يحصل على دخل في سوق العمل وبعد ذلك. فعلى سبيل المثال، تشهد البلدان التي تتمتع بقوى عاملة أكثر إنتاجية تركيزًا أقل للثروات في قمة هرم الثروة، ويتحقق ذلك عبر سياسات تدعم نقابات أقوى، وتحدد المستوى الصحيح للحد الأدنى للأجور، وتخلق مسارًا للانتقال من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي، وتستثمر في الحماية الاجتماعية، وتجتذب النساء إلى قوى العمل. أما السياسات الهادفة إلى تحسين الإنتاجية وحدها فهي غير كافية. ويرتبط النفوذ المتزايد لأصحاب العمل بانحدار حصة الدخل للعمال. وتعتبر سياسات منع الاحتكار وغيرها من السياسات أمرًا أساسيًا للتصدي لعدم التوازن في قوى السوق.

يدفع التقرير بأنه لا يمكن النظر إلى نظام الضرائب بصفة منعزلة، بل يجب معالجته كجزء في منظومة أشمل من السياسات، بما في ذلك الإنفاق العام على الصحة والتعليم وعلى بدائل نمط الحياة كثيف الاعتماد على الكربون. وعلى نحو متزايد يجري رسم السياسات المحلية في إطار المناقشات العالمية بخصوص ضرائب الشركات، مما يؤكد أهمية اعتماد مبادئ جديدة للنظام الدولي للضرائب، للمساعدة على ضمان الإنصاف، ولتجنب التسابق نحو القاع في معدلات ضرائب الشركات، خصوصًا في ظل ما تجلبه الثورة الرقمية من أشكال جديدة من القيمة المضافة للاقتصاد، وكذلك لاكتشاف التهرب الضريبي وردعه.

يكشف "دليل الأعراف الاجتماعية" الجديد الذي يتضمنه التقرير، أن نصف البلدان التي تم تقييمها شهدت ازدياداً في التحيّزات المبنية على نوع الجنس في السنوات الأخيرة. وأعرب قرابة خمسين في المئة من الناس في 77 بلدًا عن اعتقادهم بأن الرجال أفضل من النساء كقادة سياسيين، بينما قال 40 في المئة إنهم يشعرون بأن الرجال يقومون بعمل أفضل كمدراء للشركات. لذا تمثل السياسات التي تتصدى للتحيزات الكامنة والأعراف الاجتماعية وهياكل السلطة أمرًا حاسم الأهمية. وعلى سبيل المثال، يقول التقرير إن السياسات التي تهدف إلى تحقيق توازن في توزيع أعمال الرعاية، خصوصًا رعاية الأطفال، هي ذات أهمية حاسمة أيضًا نظرًا إلى أن جزءًا كبيرًا من الفرق في الدخل بين الرجال والنساء على امتداد حياتهم ينشأ قبل سن الأربعين.

ويوصي تقرير التنمية البشرية بتطوير سياسات للحماية الاجتماعية من شأنها، مثلًا، أن تضمن أجرًا عادلًا "للعمل الجماعي"، والاستثمار في التعليم مدى الحياة لمساعدة العمال على التكيف أو التحول إلى مهن جديدة، والوصول إلى إجماع عالمي حول كيفية فرض ضرائب على الأنشطة الرقمية – وكلها كأجزاء مكونة لبناء اقتصاد رقمي جديد وآمن ومستقر بوصفه قوة لتحقيق التآلف، لا لتعميق الفوارق، في التنمية البشرية.

قال آخيم شتاينر، "يوضح تقرير التنمية البشرية هذا كيف تتسبب أوجه عدم المساواة الهيكلية في أضرار عميقة لمجتمعنا ولماذا تتسبب بها. ولا تتعلق أوجه عدم المساواة فقط بالدخل الذي يحصل عليه شخص ما مقارنة بما يحصل عليه جاره. بل هي ترتبط بالتوزيع غير المتكافئ للثروة والسلطة، وبالأعراف الاجتماعية والسياسية الراسخة التي تدفع الناس إلى الخروج إلى الشوارع حاليًا، ودوافع الاحتجاج التي ستدفع الناس إلى التظاهر في المستقبل، إلا إذا تغير شيء ما. إن إدراك الوجه الحقيقي لعدم المساواة إنما يمثل خطوة أولى؛ أما ما يتبعها لاحقًا من خطوات فتحدده الخيارات التي يتعيّن على كل قائد أن يتخذها".

يذكر أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعمل بالشراكة مع الناس على مستويات المجتمع كافة للمساعدة على بناء أمم قادرة على الصمود أمام الأزمات، وعلى دفع ودعم هذا النوع من النمو الذي يحسّن جودة الحياة بالنسبة إلى الجميع. يتواجد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ميدانيًا في أكثر من 170 دولة ومنطقة. ويعمل على توفير منظور عالمي ورؤية محلية ثاقبة من أجل تمكين الشعوب وبناء أمم صامدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار