الرباط: بحس فكاهي لا يخلو من تمرير رسائل حول ظاهرة التحرش الجنسي بالمغرب، قامت أربع طالبات صحافيات (كوثر أبوتير وأحلام الشيظمي وإيمان أبحري و وفاء البغواني) بإنجاز فيلم توعوي حول الظاهرة، بالاعتماد على مشاهد مستوحاة من الواقع اليومي المرير الذي تعيشه العديد من الفتيات والنساء أثناء وجودهن بالشارع العام.
المقطع التحسيسي الذي تم تداوله على نطاق واسع في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، تحت شعار "واش حسيتوا بينا" (هل أحسستم بنفس إحساسنا)، يشمل عكس الأدوار بين الجنسين، حيث تقوم الطالبات بتقمص شخصية المتحرش بالشارع، عن طريق استعارة جمله وحركاته، في أداء تمثيلي هادف، يرمي لمعرفة رد فعل الرجال في حال تعرضهم فعليًا للتحرش من طرف نساء، من أجل حملهم على إعادة النظر في تصرفاتهم.
ضجة كبيرة
تقول كوثر أبوتير، طالبة صحافية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط "اخترنا الاشتغال على الموضوع من ضمن ثلة من المواضيع المقترحة في مادة الإشهار (الاعلان) التحسيسي، حيث سبق لنا أن تعرضن لهذا الفعل الشنيع مرات عديدة و بطرق مختلفة، اختلط فيها اللمس بالألفاظ النابية، لذلك وجهنا نيران غضبنا صوب تحقيق أفكار إبداعية من شأنها إيصال معاناتنا، فجلسنا كمجموعة عمل لنتبادل التجارب المؤلمة كخطوة أولى، بعد ذلك خرجنا لأرض الواقع لاستنباط حركات وردود فعل المتحرشين و المتحرش بهم، استمعنا بعدها لضحايا التحرش وعرضنا القضية على أخصائيين نفسيين و باحثين في علم الاجتماع، ومن هنا استطعنا التوصل إلى فكرة قلب الأدوار".
وعن ردود الفعل التي تلت إطلاق الشريط التحسيسي عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، تضيف الطالبة الصحافية "الفيديو لقي ضجة كبيرة، كوننا فتيات عربيات، والموضوع يعتبر طابو، هناك من رحب بالفكرة من مهنيي المؤسسات الإعلامية وضحايا التحرش، وهناك من عارضها خاصة من طرف الذكور، بحجة أننا لا نمثل الفتيات وأن تبرجنا و نوع لباسنا يعطيان الحق للمتحرش للقيام بفعله، وهي تبريرات لا أساس لها من الصحة، تدل على نجاح عملنا في خلق نقاش وزعزعة أفكار المتحرش، فأغلب من هاجمونا يبررون فعلهم لا غير".
عادة يومية
وعن رؤية فريق العمل حول الظاهرة ووجهات النظر التي تلقي باللوم على المظهر الخارجي للفتيات، أفادت أبوتير أن التحرش الجنسي بالمغرب أصبح عادة يومية تمارس كالعبادة في الصباح والمساء وكل الأوقات، دون أن يحس مقترفها بالذنب أو تأنيب الضمير أو يعاقب قانونيًا من أجل ردعه.
وزادت قائلة "من يلقي اللوم على لباس المرأة أو مكياجها، أصفه بـ" المريض" ، لأنه يمجد أناه ويعطيها الحق في التعالي على حقوق الآخرين، ويرخص لنفسه للخروج بمظاهر يدخلها في إطار الحرية الشخصية، في حين أنه يقمع حرية الأنثى ويسمح لنفسه بمضايقتها.
واضافت" هو تفكير ذكوري سلطوي، نتاج لذهنية وعقلية ديكتاتورية في حق الأنثى تجذرت في مجتمعنا منذ قرون، فالمجتمع يقدس الجنس الذكوري ويقبل أفعاله مهما كانت درجة حقارتها، وفي المقابل يبخس قيمة الأنثى رغم ما تقدمه من تضحيات".
المحجبات لسن استثناء
من جهتها، تعتبر وفاء البغواني، أن الظاهرة لا تستثني الفتيات والنساء المحجبات، وبالتالي فإلقاء اللوم على اللباس و المظهر الخارجي لا يبرر تعرضهن للتحرش، مما يدل على رغبة الذكور في التحكم بجسد المرأة ولباسها.
ولا تمانع الطالبة الصحافية في إمكانية قيامهن بشريط مماثل حول ظاهرة مجتمعية أخرى، إذا سنحت الفرصة بذلك، باعتبارهن طالبات إعلام مهتمات بكل ما يحدث في المجتمع المغربي.
وعن الحلول المقترحة من أجل مكافحة ظاهرة التحرش الجنسي بالمغرب، تقول البغواني"أظن أن هذه الظاهرة معقدة لا توجد لها حلول نهائية، لكن يمكن معالجتها نسبياً من خلال التربية على الاحترام داخل الأسرة، التي لا تقلل من مكانة الأنثى ولا تعطي سلطة أكبر للذكر. اللجوء للقانون في حال التعرض للتحرش أفضل من الصمت، بالرغم من أن إثبات فعل التحرش يكون صعبًا في الكثير من الأحيان، فضلا عن نشر التوعية الأخلاقية من طرف وسائل الإعلام و داخل المدارس".