: آخر تحديث
بعد 17 عاماً على رحيله

يوسف شاهين.. الغائب الحاضر في مهرجان الجونة السينمائي

3
3
3

إيلاف من الجونة: على الرغم من مرور أكثر من سبعة عشر عامًا على رحيل المخرج الكبير يوسف شاهين في عام 2008، إلا أن صداه ووقع أثره لا يزالان حاضرين في الأوساط الفنية، خصوصًا بين تلاميذه ونجومه الذين قدمهم إلى السينما عبر عوالمه الفريدة وشخصياته المركبة.

 في مهرجان الجونة السينمائي، بدا شاهين هذا العام كأنه لم يغِب قط، إذ كان الحاضر الأكبر في الدورة الثامنة من المهرجان، التي افتتحت احتفالات مئوية ميلاده، لتبدأ من الجونة وتمتد على مدار العام القادم، مرورًا بعدة مهرجانات ومحطات فنية في مصر والعالم.

"باب الحديد".. معرض يعيد تعريف السينما والمكان

جاء أبرز مظاهر الاحتفاء بمئوية شاهين من خلال معرض "باب الحديد"، الذي أعاد تجسيد القطار الأشهر في تاريخ السينما المصرية، مستلهمًا من فيلمه الذي يحمل الاسم نفسه، والذي أخرجه شاهين عام 1958 وشارك في بطولته إلى جانب هند رستم وفريد شوقي، مقدمًا واحدًا من أكثر أدواره جرأة وإثارة للجدل وقت عرضه في شخصية "قناوي".

كان الفيلم نقطة تحول في مسيرة شاهين، إذ كسر من خلاله أنماط البطولة التقليدية وقدم شخصيات إنسانية مكسورة ومليئة بالتناقضات، رافضًا ثنائية الخير والشر التي سادت السينما المصرية آنذاك. ورغم فشله التجاري وقت عرضه، إلا أنه تحول لاحقًا إلى أحد أهم كلاسيكيات السينما العربية، ورُشح لجائزة "الدب الذهبي" في برلين عام 1958.

المعرض الذي حمل اسم الفيلم، جاء بتصميم تفاعلي يجمع بين "الذاكرة والفضاء البصري"، ويتيح للزائر تجربة حسية تُشركه داخل عالم شاهين، لا كمشاهد بل كمشارك في رحلته السينمائية. حيث جاء التصميم على هيئة قطار "باب الحديد" وتضمن صورا كثيرة للمخرج الراحل وأعماله.

 أفلام شاهين وتلاميذه

استعاد المهرجان روح شاهين من خلال عروض سينمائية أعادت تقديم إرثه الفني إلى جمهور جديد. فقد عُرض فيلم "إسكندرية كمان وكمان؟"، ضمن برنامج خاص لعروض أعماله، وهو أحد أهم أجزاء سيرته الذاتية التي رصد فيها علاقته بالسينما والحياة، بوصفها رحلة لا تنفصل عن الذات والوطن.

وإلى جانب الفيلم، ضم البرنامج أربعة أعمال لمخرجين عرب تأثروا بمدرسة شاهين السينمائية، منهم فاروق بلوفة بفيلمه "نهلة" (1979)، وفريد بوغدير بفيلميه "السينما العربية الفتية" (1987) و"عصفور السطح" (1990)، وداوود أولاد السيد بفيلمه "وداعًا فوران" (1998).

هذه الأفلام مثلت امتدادًا طبيعيًا لفكر شاهين، من حيث الجرأة في طرح الأسئلة، والتمسك بالحرية كشرط للإبداع.

رحلة مع الأستاذ

وفي رابع أيام المهرجان، أقيمت جلسة حوارية بعنوان "رحلة مع الأستاذ: من عدسته إلى عوالمهم الخاصة – مئوية يوسف شاهين"، أدارها الناقد أحمد شوقي، وشارك فيها عدد من أبرز من عملوا معه وتأثروا به، من بينهم يسري نصر الله، داوود أولاد السيد، فريد بوغدير، جابي خوري، ويسرا، بحضور نخبة من الفنانين وصناع السينما.

افتتحت المنتجة ماريان خوري (ابنة شقيقته) والمدير الفني لمهرجان الجونة، الجلسة بالتأكيد على أن شاهين لم يكن مجرد مخرج، بل كان "الأب الروحي للسينما الجديدة"، فيما أشار أحمد شوقي إلى أن هذه المئوية تُفتتح قبل موعد ميلاده المئوي في يناير 2026 تكريمًا لرمزيته الكبرى.

تحدث شقيقها المنتج جابي خوري عن علاقته الوثيقة بشاهين الذي وصفه بأنه "غيّر مسار حياته بالكامل"، مؤكدًا أن شركته "أفلام مصر العالمية" ما زالت قائمة منذ عام 1952 وحتى اليوم كدليل على استمرارية إرثه. أما يسرا، التي تعاونت معه في أفلام عديدة أبرزها "حدوتة مصرية" و"إسكندرية كمان وكمان"، فقالت بتأثر: "يوسف شاهين كان ملهمي طوال الوقت، حالة لن تتكرر. ديكتاتور في عمله لكنه إنسان رائع، يحب الممثل ويعلمه أن يحب المهنة كما أحبها هو".

وأضافت أنها بكت عندما زارت معرض "باب الحديد"، وشعرت كأن شاهين حاضر يراقب من بعيد. بينما استعاد فريد بوغدير ذكرياته معه قائلاً:"عندما شاهدنا فيلم باب الحديد في تونس، أدركنا أن السينما يمكن أن تكون درسًا في الحرية، لا مجرد وسيلة للتسلية".

أما المخرج المغربي "داوود أولاد السيد" فأكد أن خيال شاهين ظل مصدر إلهام دائم للأجيال الجديدة من السينمائيين العرب.

 وفي ختام الجلسة، تحدث حسين فهمي عن علاقته القديمة بالمخرج الكبير، مشيرًا إلى أنه "أقنعه بالعودة من أمريكا ليبدأ أولى تجاربه الإخراجية"، مضيفًا بابتسامة: "شاهين كان يعرف كل تفصيلة في موقع التصوير، من أصغر عامل إلى نجم الفيلم".

واختُتمت الجلسة وسط تصفيق طويل، في لحظة امتزج فيها الحنين بالفخر، لتؤكد أن مرور قرن على ميلاد يوسف شاهين لا يعني نهاية رحلة، بل تجددها.


 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه