: آخر تحديث
مدينة المستقبل التي لم يتوقع أحدٌ أن يُدعى إلى العيش فيها

"ميغالوبوليس".. تباين كبير تجاه فيلم العبقري كوبولا

12
11
10

إيلاف من كان: كان حضور فرنسيس فورد كوبولا في الدورة المستمرة لمهرجان كانّ السينمائي استثنائياً للغاية، فالاستقبال الأسطوري الذي حظي به يوازي الاستقبال الذي يُكَرّس للمبدعين الكبار في تاريخ السينما، وهو واحد من هؤلاء دون أدنى شك.

ولم يكن عاديا العرض العالمي الأول لفيلمه الجديد، "ميغالوبوليس"، في أي شكل من الأشكال، وخصوصا أن كوبولا أنتجه على نفقته الخاصة، متخلياً بذلك عن جزء من ممتلكاته لتغطية ميزانيته التي وصلت إلى 120 مليون دولار.

انتصار للسينما 
الرهانات الكبيرة التي تعكس رؤيته المميزة كمخرج، لم تكن وقفاً في الفيلم على جماليات النص والصورة والإيقاع والتمثيل فحسب، بل تخطت ذلك إلى مجمل النظرة إلى السينما ومكانتها ودورها وتأثيرها في خضم التحولات العظمى التي يشهدها عالم التكنولوجيا والتواصل والذكاء الاصطناعي.

مرشح للسعفة الذهبية 
يتنافس الفيلم على الفوز بالسعفة الذهبية للمرة الثالثة في المسيرة الفنية لكوبولا الذي يحتفي بعامه الـ85، يستكشف المُشاهد تدريجياً على مدى أكثر من ساعتين، أسباب حماسة المخرج لتقديم الفيلم من إنتاجه، وجملة الأفكار والتفاصيل المختلفة التي يخوض فيها.

والصورة البصرية المميزة التي تشغل عين المتلقي وقلبه وعقله، وتظل تشغله حتى بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم، الذي سيكون واحدا من أهم أفلام 2024، وربما يكون من الأعمال الأكثر حظاً لقطف جوائز المهرجان،  على الرغم من التفاوت النقدي الكبير الذي لقيه استقبال الفيلم بين معجب أشد الإعجاب أو متفاجئ أو مصدوم أو متحفظ.

أحداث الفيلم 
تدور أحداث الفيلم حول المهندس المعماري سيزار كاتالينا (يضطلع بدوره آدم درايفر) صاحب الأفكار الثورية في الميدان المعماري والساعي لبناء مدينة ميغالوبوليس، بمادة "الميغالون" التي حصل على جائزة نوبل بسبب اكتشافه لها.

وهذه المادة من شأنها أن تمنح البشر فرصة كبرى ليتعايشوا بشكل سلمي أكثر، غير أن المشروع يواجه معارضة من أطراف عدة، بينهم عائلات المصرفيين الذين يمثلهم هاملتون دراسيوس (يؤدي دوره جون فويت)، والمريب كلوديو (شيا لابوف)، إلى جانب عمدة المدينة فرانكلين شيشيرو (جيانكارلو إسبوزيتو) الذي يرفض أي تصور عمراني غير تجاري في المدينة، مع سعيه إلى جذب المزيد من السائحين، في حين أن ابنته جوليا (ناتالي إيمانويل) تكن الاحترام والتقدير للمهندس وأفكاره، بل تنشأ بينهما علاقة تضعها في موقف حرج أمام والدها.

يعمل المهندس سيزار كاتالينا على تطوير المدينة بأفكاره المعمارية الجريئة والمتقدمة، ونرى الفيلم يلقي الضوء على رأس المال الذي يتحكم في القرارات المصيرية للبلاد، كما على خيارات الشخصيات والأفراد وآرائهم ومواقفهم وأفكارهم، وخصوصا ما له علاقة بالمفاضلة بين الماضي وإرثه، والحاضر وواقعيته، وكيفية مواجهة المستقبل وتأمينه.

التعمق في رسم ملامح الشخصيات 
يتعمق كوبولا في رسم ملامح الشخصيات، مبلورا ما يعتمل في الدواخل النفسية، ومظهّرا الخيانات والحماقات والعداوات والصراعات، طارحا الأسئلة، رابطا بين الماضي والحاضر، ومحاولات استعادة الماضي ليحكم سيطرته على الحياة الراهنة، رابطا بين الولايات المتحدة اليوم وروما القديمة.

 وكذلك متنقلا بين الأزمنة بصورة شيقة ومثيرة وشغوفة، من دون أن يخفي ذاتيته المتغلغلة في التفاصيل والوقائع والأحداث، بما يعبّر تمام التعبير عن فكره وفلسفته خارج أي إطار نمطي.

يعكس الفيلم الذي استمر لأكثر من ساعتين، مواقف واضحة أحيانا، ومضطربة في أحيان أخرى، إلا أن الفيلم كأنه في نهاية المطاف، ينطوي على وصية شيخ حكيم أشبه ما تكون برسالة وداع.

وكأن كوبولا يجسّد في هذا الفيلم ما لطالما اختزنه وخبّأه وخمّره وخبره طوال ثلاثة عقود من التجارب والانتظارات.

الصدمة والتباين.. لماذا؟
يمكم تفهم التباين في التقييمات، وخصوصا أن الكثيرين كانوا يظنون أن كوبولا سيقدّم إليهم شيئا على نسق "العرّاب" أو "القيامة الآن" أو "المحادثة" وسوى ذلك، فإذا بهم يشاهدون فيلما خارجا على كلّ مألوف.

فبعض الكتابات النقدية التي تناولته وجهت إليه انتقادات عنيفة، مثل ما كتبه بيتر برادشو في "الغارديان" الذي وصف الفيلم بأنه "مشروع عاطفي من دون شغف"، في مقابل إشادات بالفكرة وطريقة المعالجة، على غرار ما كتبه ديفيد إيرليش في موقع "إندي واير" الذي وصف الفيلم بأنه "الأكثر جرأة وانفتاحاً" لمخرجه.

سيظل الجدال دائرا حول هذا الفيلم بعد إسدال الستار على مهرجان كان وجوائزه. هذا الجدال المحفّز للأسئلة الحارّة، هو أكثر ما يمكن أن يكون بمثابة تحية إلى هذا المخرج الذي لا يشيخ أبداً، بل كأنه يبدأ للتوّ مسيرته، شاقّا الطريق نحو المستقبل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه