: آخر تحديث
ترغب بإنشاء أوركسترا الشباب في بلدها

المغربية منية رزق الله أول عازفة عربية في الأوبرا الألمانية

121
101
90

"إيلاف" من الرباط: "أعتبر نفسي محظوظة لأني تتلمذت على أيدي معلمين وأساتذة قديرين، لم يبخلوا علي بمعارفهم في عالم الموسيقى الكلاسيكية، و قدموا لي مدارك قيمة لا توجد في الكتب والمؤلفات"، هكذا تكشف منية رزق الله، عازفة الكمان المغربية الأصل، المقيمة في ألمانيا لـ"إيلاف المغرب" تفاصيل مسارها الفني وشغفها بهذه الآلة الوترية، التي رافقتها منذ الطفولة.
 

علاقة وطيدة
بدأت قصة عشقها للكمان في مدينة بوردو الفرنسية، مسقط رأسها، والمدينة التي اختارها والداها للإقامة، بعد هجرتهما من المغرب، وبالتحديد من مدينة الدار البيضاء، حيث ينحدران من وسط عائلي متواضع. وهي تقول: والدي عمل سائقاً وميكانيكيا، وكان مولعاً بالموسيقى الكلاسيكية من خلال مداومته على سماع ما تنقله الإذاعات من حفلات فنية عبر أثيرها، وحريصاً على اقتناء الأشرطة الموسيقية، ليستمع إليها كل مساء بالمنزل.

فبمجرد بلوغها سن السابعة، بدأت علاقتها تتوطد تدريجياً مع الكمان الذي اختارت التخصص فيه، عن طريق دراسته في مؤسسة تعليمية تُعنى بالموسيقى في الحي الذي تقطن به، على يد أستاذتها إيفيت فالي التي كانت عضواً بالأوركسترا الوطنية لبوردو. و ذلك بإيعازٍ من والدها الذي شجعها مع شقيقتيها على اختيار الآلة الموسيقية التي يميلان لها.

وعن تفاصيل العلاقة التي كانت تجمعها مع أستاذتها، تقول رزق الله لـ"إيلاف المغرب":" عرفت كيف تطور حبي واهتمامي لهذه الآلة الفريدة، نشأت بيننا علاقة مودة واحترام وطيدة، و سرعان ما أصبحت صديقة للعائلة. كانت تحرص على دعوتنا لحضور حفلاتها في المسرح الكبير لبوردو، و كنت مندهشة من أدائها الرائع والمتميز، ومن الموسيقيين الذين كانوا في كل مناسبة يروون لنا قصة مليئة بكم هائل من المشاعر والأحاسيس المبهجة".
 

محطات ساطعة
سنوات بعد ذلك، تمكنت من اجتياز اختبار ولوج المعهد الموسيقي لبوردو بنجاح، لتتابع مسارها في عالم الموسيقى، حيث حصلت على الميدالية الذهبية ثم شهادة الباكالوريا. وهي تعتبر أن لقاءها مع بيير دوكان، أستاذ في المعهد العالي للموسيقى والرقص في باريس كان محطةً مهمة في حياتها كعازفة مولعة بالكمان، من خلال احتضانه لموهبتها و إجماع لجنة التحكيم عليها أثناء اجتيازها لاختبار المعهد، لتتخرج بعد مرور 3 سنوات، وتحصل على الجائزة الأولى في الكمان والجائزة الأولى في موسيقى"الشامبر".

بعد باريس، شكلت فارسوفيا المحطة الموالية لها، بانضمامها إلى أكاديمة"موزارت"، و تلقيها لدروس على يد الأستاذ الروسي الشهير غريغوري جيزلين، مما خولها لقاء موسيقيين مشهورين، منهم ماريك جانوفسكي، الذي كانت تعزف برفقته في أوركسترا الشباب الفرنسية، و الذي نصحها بالإنتقال إلى برلين بألمانيا، من أجل تطوير مداركها الموسيقية، مع توماس براندس، عازف الكمان الأول في الأوركسترا الفيلارمونية وأستاذ بجامعة الفنون في المدينة ذاتها.

قدمت عروضاً موسيقية في دار الأوبرا الألمانية برلين (أوبرا برلين) سنة 2000، ما سمح لها بتمويل دراستها. من اختبار لاختبار، وبعد مرور سنتين، تولت خلالها مجموعة من المراكز، وأصبحت تدرس في الأوبرا.

تؤكد أن مركزها الجديد فتح لها فرصا جيدة وآفاقا واعدة، من خلال دعوتها لتقديم عروض في العديد من الأوركسترات الشهيرة والمرموقة، في كل من برلين وهامبورغ وميونيخ وفالنسيا، وضمن أشهر الفرق في إيطاليا، لتتم دعوتها بانتظام منذ سنة 2005 كعازف أول منفرد على الكمان بالأوركسترا السمفونية بأنقرة في تركيا.
 

حضورٌ عالمي
عملت تحت إشراف قائدي أوركسترا كثر، ذاع صيتهم عالمياً في مجال الموسيقى الكلاسيكية، أمثال زوبين ميهتا وسايمون راتل ولورين مازيل ونيكولاس هارونكورت وأندريس نيلسون ودانييل جاتي وايسا بيكا سالونين وآخرين، فضلاً عن مشاركتها في العديد من المهرجانات في لندن ونيويورك وبيونس آيرس وبرلين وبيروت.

تجد نفسها محظوظة بتعاملها مع أكبر مطربي الأوبرا الموجودين حالياً على الساحة الفنية الدولية، مثل لوسيانو بافاروتي وأنا نيتريبكو وبلاسيدو دومينغو ورولاندو فيلازون وجوناس كوفمان ووالتريد ماير. جولاتها الفنية كعازفة كمان منفردة في مختلف الفرق الموسيقية قادتها لدول أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا ونيوزيلندا.

وحول تقييمها لمسيرتها وشعورها، خاصةً أنها أول عازفة من شمال أفريقيا والعالم العربي، توجد بالأوبرا الألمانية بين 17 جنسية أخرى، تقول: "لا تزال دور الأوبرا الألمانية الكبرى محافظة بشكلٍ تقليدي، وبالتالي فوجود المرأة في المناصب الرئيسية في الأوبرا لا يزال غير مباشر، لهذا السبب، أنا أعتبر أن دعوتي لتقديم عروض في مهرجانات، من قبيل مهرجان دريسدن بألمانيا ومهرجان بيروت كان إنجازاً بالنسبة لي، حزت من خلاله على تقدير زملائي. وأنا مدينة بكل شيء لوالدي، لأنه كان دائماً يدافع عن مكانة المرأة ويؤمن بقدرتها على النجاح في كل المجالات".

بالنسبةِ لها، العديد من النساء المغربيات رائدات في مختلف المجالات، و يشغلن مكاناً مهماً وملهماً في العالم العربي. فيكفي فقط أن يناضلن بكل قوة من أجل تحقيق أحلامهن، ومقاومة مختلف أشكال الضغوطات الإجتماعية التي يتعرضن لها.

مشروع"الأكاديمية"
ترى أنه من الواجب عليها تقاسم ما اكتسبته من خبرات على المستوى الموسيقي والفني مع مواطني بلدها الأصل، خاصةً من يملكون مواهب حقيقية ويتوقون لإبرازها وطنياً ودولياً. وهو ما قامت بترجمته على أرض الواقع من خلال مشروع "الأكاديمية"، برعاية السفارة الألمانية ومعهد جوت بالمغرب. وهي منصة دولية، تجمع بين موسيقيين كلاسيكيين، يمثلون أكبر الأوركسترات الألمانية، الهدف منها نقل ثقافة الأوركسترا عن قرب للمواهب الشابة، من أجل الإعداد لمسارهم المهني.

تؤمن رزق الله بأن الموسيقى الكلاسيكية تُشكِّل رافعة حقيقية بالنسبة للمواهب الشابة، وهو ما دفعها لتنظيم دورات تكوينية مجانية لصالح طلاب المعاهد الموسيقية بالمغرب.

وبخصوص تفاصيل الدورة الأولى من الأكاديمية "ماستر كلاس" التي أُقيمت السنة الماضية، تشرح: "أنشأنا أوركسترا لشباب المعاهد الموسيقية بالمغرب، بمشاركة المواهب المغربية الشابة من جميع أنحاء البلاد، مع طلاب أجانب أتوا خصيصا لتشكيل أول أوركسترا للشباب بالمغرب، حيث استفاد 67 مشاركاً من دوراتٍ مكثّفة، على مدى 7 أيام، شهدها المعهد الوطني للموسيقى وفن الرقص بالرباط. واختتمت فعالياتها بمقر المكتبة الوطنية للمملكة المغربية. هو تبادل فني بين المعاهد الوطنية للموسيقى بالمغرب والأوركسترات المحترفة المحلية والدولية، ترمي لجعل الفنان الموسيقي ملماً بمتطلبات مساره بشكلٍ أفضل".

هذا وترغب عازفة الكمان الشابة في إنشاء أوركسترا الشباب في بلدها المغرب، في أفق تكوين أرضية خصبة لتوظيف الأوركسترات المحترفة، وإبراز المواهب المغربية على المستوى الدولي، من خلال إعدادهم للمشاركة في مهرجان young euro classic في برلين، والذي يجمع سنوياً العديد من الفرق الموسيقية من جميع أنحاء العالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه