أيام تفصلنا عن موعد الانتخابات لعضوية مجلس الشعب في سوريا للدور التشريعي الخامس عشر في شهر تموز (يوليو) القادم.
فماذا عن هذه الانتخابات، وماذا عن المرشحين الذين طالما نتوقف عندهم في كل دورة انتخابية؟ وهل يستحق هؤلاء هذه المكانة؟ وهل الشعب راض أصلاً عن هذه الخزعبلات، ومقتنع بترشحهم؟ وما هو الدور الذي سيقومون به في ظل حكومة ظالمة؟ وأين هم من الدور المتوقع الذي سيلعبونه في ساحة لم يعد للرقابة دور، بل أنّ عضو المجلس هو من يُمثل كل شيء، ولا أحد يستطيع أن يوقفه عن لعب دوره، والضحك على الناس بالعمل على ابتزازهم وتجريدهم من أموالهم؟
كثيرة هي التساؤلات التي لم يتوقف المواطن في سوريا عن الوقوف عليها، وهي أسئلة قديمة ـ جديدة وجديرة بالاهتمام، ولم تعد تهم المواطن بقدر ما تهمّ مرشّح الحزب، والاستئناس الذي سيخضع له من قبل الأعضاء. أي أن يحظى بموافقة الرفاق الحزبيين الذين يَعدّون أصحاب الصلاحية في الاقتراح، والإبقاء على الرفيق الراسب في الاختيار خارج حظيرة الصراع، لا يمكن الأخذ به، وفي هذا بلا شك سيكون الدفع كبيراً للجهات المعنية التي يعود إليها مهلة اختيار هذا الاسم من ذاك، خاصة و أنَّ عدد المرشحين كبير، وبالتالي تكون اللقمة أكبر، وهي فرصتهم لتحصيل المال، وملء جيوبهم من هذا الكسب الذي سيكون لمن يختار الأعضاء الجدد من خلال مؤتمرات موسعة لفروع الحزب في المحافظات. أي عبر عملية يُطلق عليها بـ"الاستئناس" الحزبي، والتي تقوم على تصويت البعثيين على مرشحيهم، وينتج عن هذا التصويت، لائحة بأسماء من وقع عليهم الاختيار.
مرشحو الحزب في سوريا التي يَحكُمها حزب البعث، والمعروف على أن الحزب هو "قائد الدولة والمجتمع"، وسوريا كما يَعرفُ الجميع تُعرَفُ بـدولة الظلم والطائفية والذل والخيانات… والظفر بمقعد نيابي، ما يعني مكسب كبير للطامحين للفوز في عضوية مجلس الشعب ـ مجلس التصفيق!
فكيف سيتمُّ التعاطي مع هذه الشرائح من المجتمع؟ بالتأكيد ستكون المنافسة شديدة جداً لا سيما أنّ عدد المرشحين المشاركين في المعركة لجهة الاستئناس وخيارات الناخبين، هي من ستقرر الأسماء التي وقع عليها الاختيار.
لا شكَّ في أنَّ هذه المعركة سيكون التنافس فيها على أشدّه بين الأعضاء الحزبيين المرشّحين الذين ينتظرون نتيجة الاستئناس من قبل قواعد الحزب. وما يثير التساؤل، هو مشكلة تكرار الأسماء المرشّحة في كل دورة انتخابية، وهذه الأسماء صار لها مكانها ومعارفها، وقادرة على ممارسة دورها بكل حرية، لا سيما أنّها صارت تملك المال والسلطة من خلال علاقاتها، وهذا ما يُسهم في فرض نفسها للمرة الثانية والثالثة والعاشرة، فلماذا لا تبادر قيادة الحزب العظيم، الذي بني على استبعاد العقول النيّرة، ونبذها من المجتمع، واغتيالها، والاستئناس بعقول خشبية هشّة، غير قادرة أن تقوم ذاتها، هو أن يَخْتَار الممثلون المتميزون بشفافية، وأوّل شيء هو اختيار العضو الذي أنهى مرحلة دراسية جامعية وأكثر، على أن يكون ذا مكانة اجتماعية ومكتف مادياً، وقادراً على أن يُحقق رغبات الشعب، لا أن نختار المرشّح لمجرد الاختيار وكفى؟ فالأغلبية من المرشّحين من عامّة الناس، وإن سبق لهم أن تمرسّوا في الحزب، وتدرّجوا في قواعده، ولكن علينا اختيار الأفضل الجدير بخدمة الناس، والوقوف على حل مشكلاتهم بصدق، ومنع تكرار الأسماء لأكثر من مرّة لإفساح المجال أمام الكوادر البعثية الجديدة التي لم يُتح بعد لها الفرصة، وهذا من حقها الطبيعي، حتى نخلق نوعاً من التنافس الشريف بين أعضاء الحزب، في حال أردنا لهذا الحزب أن يَنجح ويُمارس دوره بصدق أمام أبناء شعبه. فالكل بلا شك فقد ثقته بالحزب، وبتطلعاته، وأهدافه وبأداء مؤسساته؛ لأنه في الواقع، كَشَفَ الكثير من أوراقه، وهو أكثر ما يسعى إلى إذلال الناس، والعمل على إهانتهم وتحقيرهم، والسيطرة على عقولهم، ونهب ممتلكاتهم، فلماذا لا نعرّيها، ونشير إلى بواطن الخلل وبصدق؟
فالحزب بطاقاته وبقدراته، وما توافر له، بإمكانه أن يُعيد الصيغة الجوهرية إلى جماهيره، وأن يلتفت إلى الاهتمام بالمواطنين، وتوفير متطلباتهم وتقوية نفوذهم، وتكريس مبادئ تهمّ الناس، وتقوّي من عزيمتهم وقدرتهم على التحدّي، ويَفرضُ نفسه كسلطة فاعلة ومؤثرة في المجتمع، وفي إدارة مؤسسات الدولة العامة التي بحاجة إلى قفزة فاعلة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي صارت أشبه بالمهزلة والمهينة، والتي دفعت بابن سوريا إلى أن يَضرب أخماساً في أسداس، نتيجة الوضع السيء التي أصاب الناس في الصميم!
إقرأ أيضاً: قليل من الشوق
على الحزب أن يُدقق في شبهات الفساد والتجاوزات التي تُثار هنا وهناك، والملفات الكثيرة التي تعانيها المؤسسات الحكومية، والناس تنظر إلى القيادة السياسية في سوريا على أنها ستشهد في الأيام المقبلة دورة انتخابية سيكون إلى حد ما أن العدل والإنصاف هو ما سيتوجانها بالنجاح، وعلى القيادة المركزية للحزب أن تكون صانعاً للاقتراحات على المستوى الداخلي للحزب، وعليها يُعول محاسبة كل من يحاول الإساءة مهما كانت المكانة التي يشغلها.
في هذه الحالة سيكون النجاح هو ما ينشده الحزب، وهذا الحديث ينطبق على المرشحين الآخرين من خارج صفوفه الذي نرجو أن يكون اختيارهم قائماً على الوعي والإدراك، وعلى أن يكونوا من حملة الشهادات العلمية، بعيداً عن المتطفلين على المقاعد، والتي من حق المثقفين وحدهم أن تكون من نصيبهم بعيداً عن الأميين والمقتدرين مادياً، والضرورة تقتضي البحث عن الأعضاء الجديرين بتمثيل الشعب، بعيداً عن الوجاهة الخدّاعة المتمثلة بشيخ العشيرة وسلطته الزائفة، خاصة أنه ما زال البعض من الناس يبحث وينقّب عن الأصل والعشيرة، ومرجعياتها؟ ما الفائدة من كل ذلك، وأغلب شرائح المجتمع تعيش في قهر وإذلال وفقر مدقع؟!
إقرأ أيضاً: ثورة النهب والتصفيق!
لينصب اهتمامنا في أشياء مفيدة ونافعة، يقف أمثال هؤلاء المهتمين عندها، والسعي جاهدين في إخراج الناس من همومها وقهرها وحاجتها إلى حياة كريمة، تهبها عيشة مفرحة بدلاً من خزعبلات وتسميات، وتفاخر بالأهل والعشيرة لا تغني ولا تسمن من جوع.
وأمثال هؤلاء المهووسين بـ"المشيخة" و"المخترة" من كبار القوم الذين هم من ساهم، إلى جانب الحزبيين والحكومة العظيمة، ممثلة برئيسها المناضل، في تخريب اقتصاد الوطن، وإفراغ جيوب أبنائه لقاء متعهم الخاصة، وهذا ما يبحثون عنه ويهمهم!