بكين: سجّل الاقتصاد الصيني نموا بنسبة 4,5 بالمئة في الربع الأول من 2023، وفق ما أظهرت أرقام رسمية نشرت الثلاثاء، في خطوة تعود بشكل أساسي الى رفع البلاد في أواخر العام الماضية، القيود الصحية التي كانت مفروضة على خلفية جائحة كوفيد.
وبهذه النسبة التي فاقت التوقعات، يُظهر ثاني أكبر اقتصادات العالم للمرة الأولى منذ 2019، تعافيه من آثار القيود الصارمة التي فرضتها السلطات، واصطلح على تسميتها سياسة "صفر كوفيد"، وأتاحت السيطرة على تفشّي المرض، الا أنها أثّرت بشكل حاد على الأعمال التجارية وسلاسل التوريد.
وجاءت نسبة النموّ في الأشهر الثلاثة بدفع أساسي من ارتفاع مبيعات التجزئة، المعيار الرئيسي لاستهلاك الأسر، بنسبة سنوية بلغت 10,6 بالمئة، وهي الأعلى منذ حزيران/يونيو 2021.
الى ذلك، زاد الانتاج الصناعي 3,9 بالمئة الشهر الماضي، في تحسّن عن مستويات كانون الثاني/يناير-شباط/فبراير، لكنه بقي دون توقعات الخبراء (4,4 بالمئة)، وفق الأرقام التي نشرها المكتب الوطني للاحصاءات.
أعباء أزمات عدة
وأشار تقرير المكتب الى أن الصين واجهت خلال الأشهر الثلاثة الأولى "بيئة عالمية حرجة ومعقّدة، إضافة الى المهمات المضنية للتقدم في الإصلاح والتنمية وضمان الاستقرار محليا".
وأدت الإجراءات التي اعتمدتها السلطات لمواجهة كوفيد، وارتكزت على فرض حجز صحي صارم وإجراء فحوص على نطاق واسع وقيود على السفر، الى تقييد النشاطات الاقتصادية المعتادة، قبل أن يتمّ رفعها بشكل مفاجئ في كانون الأول/ديسمبر.
كما يواجه الاقتصاد الصيني أعباء أزمات عدة، من قطاع العقارات الغارق في الديون، الى تراجع ثقة المستهلك، وارتفاع التضخم عالميا، وخطر الركود في اقتصادات أخرى، والتوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة.
ومنذ رفع القيود الصحية، أقبل الصينيون مجددا على ارتياد المطاعم والسفر، ما أعطى قطاع الخدمات دفعا كان في أمسّ الحاجة إليه.
توقعات نمو متواضعة
وقال المحلل في مصرف "رابوبنك" تييوي ميفيسن إن "تسجيل الاستهلاك تعافيا في الربع الأول يعود بشكل جزئي الى زيادة الطلب، لكنه لم يستعِد بعد مستويات ما قبل الجائحة".
وأشار الى أن "الخسائر في ثروات الأسر جراء أزمة القطاع العقاري، وخسارة الأسر لموارد دخلها خلال الجائحة، هي من العوامل التي دفعت المستهلكين الى الاحجام عن إنفاق المزيد من الأموال".
من جهتها، اعتبرت آيرين بانغ، كبيرة اقتصاديي الصين الكبرى لدى "آي أن جي" للتحليل المالي والاقتصادي، إن السبب الأساسي لتحقيق الصين نموّا فاق التوقعات كان زيادة مبيعات التجزئة "التي عزّزتها بشكل رئيسي الخدمات المرتبطة بالطعام".
وتفوق الأرقام الرسمية للنموّ بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس، نسبة 3,8 بالمئة التي رجّحها محللون استطلعت فرانس برس آراءهم سابقا.
وكان الاقتصاد الصيني حقق نموا بثلاثة بالمئة على امتداد العام 2022، وهي من أدنى النسب التي سجّلها خلال عقود. وفي العام الماضي، نما الاقتصاد بنسبة 4,8 في الربع الأول، الا أنه اكتفى بنسبة 2,9 بالمئة في الربع الأخير.
وكان نموّ 2022 ما دون التقديرات الرسمية التي بلغت 5,5 بالمئة.
وأبقت الحكومة الصينية توقعاتها الرسمية للنمو في 2023 متواضعة بحدود خمسة بالمئة، وهو هدف أقر رئيس الوزراء لي كيانغ بصعوبة تحقيقه.
التعافي الصيني
ورجح محللون في تصريحات لوكالة فرانس برس، أن يسجل الاقتصاد الصيني نموّا بنسبة 5,3 بالمئة، وهو ما يناهز توقعات صندوق النقد الدولي (5,2%).
الا أن الخبراء يحذّرون من أن السياقات الاقتصادية العالمية قد تفرض ثقلها على التعافي الصيني.
ورأى المحلل في مصرف "ميزوهو" كين شونغ أن الاستهلاك المحلي "أثبت أنه عماد" التحسن الاقتصادي، لكن "الانتاج الصناعي كان مخيبا للآمال مقارنة بالتعافي القوي لنمو الصادرات".
ورجح أن يحتاج "تعافي ثقة الأعمال التجارية الى وقت"، وهو ما يتطلّب ضخّ المزيد من السيولة المالية لتعزيز النشاطات الاقتصادية الفعلية.