في الوقت الذي تتركز فيه أنظار العالم على الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، وتطور البرنامج النووي الإيراني ليلامس مستويات العسكرة الشاملة الناجمة عن اكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في منشأة فوردو النووية عينات من اليورانيوم المخصب بنسبة بلغت حوالي 84 في المئة، كانت تقارير أميركية تتحدث عن قيام ايران بتسليم جبهة "بوليساريو" عدداً من المسيرات الحربية عبر الجزائر التي تغذي التنظيم منذ عقود لشن حرب استنزاف ضد المغرب تحت عنوان الصراع حول الصحراء الغربية التي يعتبرها المغرب جزءاً لا يتجزأ من التراب الوطني. وسبق للرباط أن تقدمت قبل أعوام بمشروع حل سلمي تحت إشراف الأمم المتحدة يقضي بالموافقة على حصول منطقة الصحراء على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لكن المشروع رفض من قبل الجزائر واستطراداً من تنظيم جبهة "بوليساريو" الخاضعة لها.
لكن المهم الآن هو تدفق معلومات تفيد بأن الصراع على الصحراء المغربية يمكن أن يتخذ أبعاداً تصعيدية خطيرة اذا ما تأكدت لجهة بدء تسليم تنظيم "بوليسيايو" مسيرات إيرانية لا يُعرف ما اذا كانت مقدمة كمنحة من إيران أم أن الجزائر ابتاعتها لتسلمها للتنظيم المذكور. ولهذا التطور الخطير أبعاد تتصل بالتوتر الدائم بين الجارين الكبيرين المتنازعين أي الجزائر التي تدير دفة "بوليساريو" والمغرب الذي يعتبر جزءاً من بناء أمني دفاعي غربي على واجهتي البحر الأبيض المتوسط قبالة شواطئ جنوبي أوروبا، والمحيط الأطلسي كبوابة شمالية للقارة الافريقية. كل ذلك من دون أن يكون المغرب عضواً في حلف شمال الأطلسي "الناتو". ويفاقم الخطر وصول المسيرات الإيرانية التي جرى استخدام نماذج منها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما انها جزء لا يتجزأ من تسليح جماعة الحوثي اليمنية التي تستخدم المسيرات المفخخة لاستهداف مدن المملكة العربية السعودية ومنشآتها المدنية. و لا ننسى أيضا أن نماذج من هذه المسيرات جرى تسليمها لذراع ايران في لبنان، عنينا "حزب الله" المدرج في العديد من لوائح الإرهاب الدولية، لا سيما الأميركية والأوروبية.
ويقول موقع "دي سي جورنال "الأميركي إن موضوع المسيرات الإيرانية في منطقة المغرب العربي تطور مقلق لا بل خطر وجودي على أمن المغرب تماماً كما كان ولا يزال على أمن دول الخليج العربي حيث جرى استهداف المدن والمنشآت المدنية أكان في المملكة العربية السعودية أو دولة الامارات العربية المتحدة. ومن ناحية أخرى، فإنه لا يمكن ان تكون المسيرات وصلت الى أيدي جماعة "بوليساريو" سوى عن طريق الجزائر، مما يمكن أن يشكل تصعيداً كبيراً بين الجارين، دون أن ننسى القلق المتنامي من قبل حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي يدرج الموضوع في إطار تهديد جبهته لجهة جنوبي أوروبا الغربية (اسبانيا، فرنسا، البرتغال) وبطبيعة الحال استهدافاً للمغرب المصنف شريكاً استراتيجياً للحلف. وخطورة الامر تكمن في أنه لو افترضنا أن "بوليساريو" استخدمت هذه المسيرات فلا يمكن أن يحصل ذلك بمعزل عن القرار الجزائري، مما ينذر بعواقب وخيمة جداً على العلاقات بين بلدين من أقوى البلدان الأفريقية أو العربية.
اما الجانب الأخطر في الموضوع، إلى جانب الاستهداف الجزائري للمغرب، هو أن تكون ثمة استراتيجية روسية -إيرانية – جزائرية مشتركة هدفها استهداف المغرب، وما هو أبعد من المغرب أي الدول الأعضاء في حلف "الناتو" المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وواجهة الأطلسي القريبة من القارة الأفريقية، إضافة إلى رفد استراتيجية روسيا التوسعية عبر ميلشيات مرتزقة "فاغنر" في منطقة الساحل الافريقي، وصولاً الى غربي أفريقيا حيث تعاني فرنسا الدولة المستعمرة سابقاً من ضغوط هائلة معززة من التمدد الروسي، والمشروع الصيني (مبادرة الحزام و الطريق) للتمدد تحت عنوان تمويل وتشييد بنى تحتية ومرافق عامة في مختلف أرجاء افريقيا، ثم اغراق هذه الدول بجبال من الديون السيادية.
إذاً إن وصول المسيرات الإيرانية التي سبق أن استهدفت الخليج العربي، وأوكرانيا قد يصبح عنواناً لخطر حدوث انزلاق أمني في منطقة المغرب العربي، لا سيما أن حرب الاستنزاف التي تخوضها الجزائر ضد جارتها منذ أربعة عقود ونيف لم تتراجع بل زادت حدتها على اكثر من صعيد. ان القضية حساسة ويستحيل على ايران، أو الجزائر، أو روسيا ( في حال كانت متورطة) التخفي خلف واجهة تنظيم مثل "بوليساريو".