إيلاف من مراكش: يحتضن مركب محمد السادس الإداري والثقافي، التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،في مراكش، معرضًا تشكيليًا للفنان المغربي محمد المرابطي، اختار له عنوان"الفن والأشكال العمودية"، يتمحور موضوعه حول أضرحة الأولياء الصالحين.
ويقترح المعرض على زواره، 25 عملا جديدا، يرافقها "كاتالوغ"، يتضمن صورا للوحات المعروضة، ونصوصا شعرية ونقدية تشكيلية من توقيع ميشال بيتور، وإدمون عمران المالح، وطلال المعلا، ورجاء بنشمسي، وأدونيس، وخالد الساعي، والمعطي قبال، وموريس أراما ،ومصطفى النيسابوري.
سمو
كتب أحمد توفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في تقديمه للمعرض، أن قبة أضرحة الأولياء الصالحين تشكل "العنصر المحوري في عمل المرابطي"، باعتبارها "منشآت تفرزها الثقافة من أجل ترسيخ النموذج الأمثل للإنسان في طريقه نحو السمو عبر محبة الله ومخلوقاته"، مشيرا إلى أن "هذا العنصر المحوري يعبر عن العمودية".
حدثٌ ثقافي
توقف كثيرون عند دلالة أن يحتضن رواق تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية معرضا للفن التشكيلي. وكتب المعطي قبال، الكاتب المغربي المقيم في فرنسا، تحت عنوان "النور المنقذ من الظلام"، أن "إقامة معرض تحتضنه وترعاه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هو في حد ذاته حدث ثقافي وفني في غاية الأهمية ويحمل رمزية تكمن في رد الاعتبار لمكانة الفنون البصرية داخل رحاب الثقافة الإسلامية التي سطعت بقوة في مجالات الخط العربي، النحت، الهندسة والمعمار، وهي فنون تتداخل بشكل وثيق مع الفنون التشكيلية. هذا علاوة على أن النتاج التشكيلي لمحمد المرابطي يتوافق مع روح المعتقد الإسلامي الشعبي من أضرحة وأولياء صالحين، يتزاوج أيضا مع روح المقابر وأصوات الموتى، مع أطياف الصوفيين الذين هم الذاكرة الحية لمراكش ونواحيها".
خلوة المُريد
أضاف قبال أن مشغل "المقام" الذي يقيم ويعمل به المرابطي، بتحناوت، ضواحي مراكش، يعتبر بمثابة "خلوة المريد"، مشيرا إلى أن لوحات معرضه الأخير تقدم لنا "احتفائية إستيتيقية بالأمكنة عبر أشكال يطغى عليها البعد العمودي وكأنها ترنو وتخاطب الخالق"، فيما لا ينفي الشكل العمودي أشكالا أخرى، مثل "الشكل النصف دائري الذي تتخلله شموع إما مشتعلة وإما منطفئة، هي قربان للولي الصالح؛ ما يمنح لهذه اللوحات جاذبية كبرى هي كيمياء الألوان التي تتدخل كعامل مشع لإضاءة عوالم ومجالات اللوحة". وتبعا لكل ذلك، رأى قبال في المعرض "إنارة قوية في زمن قاتم"، لـ"تبقى أنوار الروح هي المنقذ من الظلام".
قميص هواء
من بين النصوص المضمنة في "الكاتولوغ"، كتب أدونيس، في نص حمل عنوان "قميص هواء"، عن القماش الذي "عاد" إلى المنزل، تاركا حضن الأرض، يحمله النور على ذراع الظل وغموض المخفي، وقد غطى مادية الظاهر. نور، في تجواله داخل القماش، يسير على طريق تظلله سراديب المستور.
أما إدمون عمران المالح، فربط حديثه بالمشايخ الروحيين الذين عاشوا بالبلاد، على مدى العصور، تحملهم عناصر الحرية والتطلع إلى الجديد، فاستحضر ابن عربي، متحدثا عن لوحات المرابطي وخطوطها المعمارية، وهو يركب تحديا، يفتح عددا من الأسئلة حول الإبداع الفني، متمنعا، بأي حال من الأحوال، على وضع خاتمة للأشياء.
مرآة الروح
من جهته، كتب طلال المعلا، تحت عنوان "المرابطي، الرسم كمرآة الروح"، أن رسومات المرابطي تجسد شفافية العقل والمعرفة الممزوجة بالعاطفة الإنسانية في كل حالاتها؛ وأنها سفر يدفع الحواس إلى ترك ماديتها، للبدء في سفر عمودي بين المنخفض والعالي، أو العالي والمنخفض؛ إذ الفرق ليس مقلقاً بين حمرة الجلد وحمرة التراب، فهُما يشكلان لغزاً من القيم، ويعطيان توازناً للحميمية العميقة للمحتويات، ويجعلان الجسم يعتاد على فتح أبواب التقنية، ليرى تحققه بقلب متعلق بطبيعته.
سيرة فنان
يبقى المرابطي، الذي ولد في مراكش في 1968، كما كتب عنه الشاعر والفنان التشكيلي عزيز أزغاي، "صاحب تجربة صباغية متميزة في مدونة الفن الحديث في المغرب"، و"أحد الأسماء النشطة المنخرطة في بلورة طموح التشكيل المغربي للخروج إلى العالم"؛ ويعرف عنه أنه راهن، منذ بداية مساره، لتعزيز خياراته التشكيلية والجمالية، على "صياغة جملة تشكيلية خاصة ترتكز على توظيف الأثر المقدس والصوفي والمرتفع، وعلى علاقة ذلك بالكائن الأعزل الذي بات عرضة لهجمة التقنية وتحول الزمن إلى آلة رهيبة"، فـ"استطاع، بجهد فردي وروح منصتة، أن يلفت الانتباه باكراً إلى طاقته الإبداعية الخلاقة والمتجددة التي ما فتئ يعبر عنها في أعماله الفنية".