: آخر تحديث

الرواية كما رآها غائب فرمان

34
34
36
مواضيع ذات صلة

«الروائيون المزوّدون بمعرفة جيدة للمجتمع وتجربة واسعة في الحياة يرون ما لا يراه الاعتياديون»، هكذا قال الروائي العراقي الراحل غائب طعمة فرمان (1927 – 1990)، في مقال له بعنوان «شيء عن الرواية»، نشر في مجلة «النهج» التي كانت تصدر في دمشق، يعود إلى عام 1986، ويكاد يكون بمثابة شهادة تتضمن رؤية الكاتب لفن الرواية، وتكتسب أهميتها من كون صاحبها من أهمّ روّاد الرواية في العراق، وأحد الوجوه الأدبية العربية المهمة، ومن أشهر رواياته «النخلة والجيران»، التي صنفت كواحدة من ضمن أفضل مئة رواية عربية، وجرى تحويلها في فترة من الفترات إلى عمل مسرحي، وهي تقدّم جانباً من الحياة في العراق بعد الحرب العالمية الثانية.

في مقاله – الشهادة تلك قال فرمان: «كما يبدأ الشاعر بطلاً لمغامراته الأولى في الحب واكتشافه العالم فيما حوله، يبدأ الروائي خطواته الأولى بالتعرف إلى نفسه، الينبوع الأول لمادة فنه، وعلى العالم المحيط به، إنه يبدأ من سيرته، من ذاته الأولى ليصل إلى ذوات الآخرين، متحمساً ومتلمساً الجوانب الأقرب إلى الفكرة التي تسيطر عليه في تلك المرحلة بعينها».

طبيعي أن يستشهد غائب فرمان بتجربة كاتب مثل تولستوي، كيف لا وهو المتشبع بالأدب الروسي الكلاسيكي وأحد أبرز مترجميه إلى اللغة العربية، فالرؤية التي قال بها فرمان تمثلت، من وجهة نظره، عند تولستوي حين كتب «الطفولة» من ثلاثيته الشهيرة، وحين كتب قصصه عن سياستبول، فسجل انطباعاته ومشاهده وتجربته الذاتية حين كان ضابطاً في الجيش العامل في القفقاس، وعن تولستوي ينقل فرمان قوله: «إنّ على الفنان أن يصوّر ما يراه، وما أحسّ به».

يبدو مفهوماً أن نسأل: أين كانت روايات فرمان نفسه من هذه الرؤية، وإلى أي مدى جسدّها وهو يكتب؟

وعلى سؤال مثل هذا نجد إجابات على لسان مجايلين له، تحدثوا عن أدبه، بينهم جبرا إبراهيم جبرا الذي قال: «يكاد يكون غائب طعمة فرمان الكاتب العراقي الوحيد الذي يركّب أشخاصه وأحداثه في رواياته تركيباً حقيقياً»، أما عبد الرحمن منيف فقال «لا أعتقد أنّ كاتباً عراقياً كتب عن الغربة، كما كتب غائب، كتب عنها من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات».

مع ملاحظة أن هاتين شهادتان قديمتان، وأن أجيالاً من الروائيين العراقيين أتوا لاحقاً وعاشوا مرارات الغربة مثله، قد ينطبق عليهم هذا القول، بصورة أو بأخرى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.