: آخر تحديث

الدكتورة خولة الزبيدي: الليل واخرُ

60
45
47
مواضيع ذات صلة

كانا جالسين على مقعد في حديقة كبيرة يتطلعان في عصرية جميلة على العوائل الشابة انشغلت مع اطفالها، وعشاق لا يمكن فصلهم عن بعض، وتستطيع ان تشعر بما يتهامسون، ورجال ونساء تعبر الحديقة الكبيرة لتصل إلى الطرف الأخر، بط يسبحُ في البركةِ الكبيرةِ الجميلةِ. وشمسٌ ساطعةٌ تدغدغُ وجنتيهما، إنهما قطعاً شوطاً من العمرِ شوطاً رائعاٍ يستطيعان من خلاله رؤية الحياة من أجمل جوانبها بعد ان إديا كل ما عليهما من تربية أبنائهم الذين كبروا، كلٌّ مشغولٌ بحياته، إنهما في أجمل مرحلة من عمريهما، وما زال بعد هذا العمر الطويل معاً، لم يفارقها ولا ليلة واحدة، رجل معطاء، لم يقصر بواجبه كأب ورب بيت، يطالعُ الصحف بنهم ككلِّ الرجال، ويتابعُ الأخبارَ من محطة لأخرى بشكل روتيني ويتفرغ لسماع الأخبار المكررة، يختفي وراء صحيفته اليومية، ويشعر بالزهو عندما يكمل الكلمات المتقاطعة.......... ولكنه لم يشعر ولم يفصح عن مشاعره يوما ما لها، أنها  نادرة في حفاظها على الروتين اليومي لاسعادهم، وعدم التقصير في واجباتها الأخرى، أنها تعشقه بصمت وجاء مناسبات أفصحت له عن حبها له ليس كزوجة بل كعشيقة، تتامله بدون ملل عندما ينام، تتنفس معه، ولكنها في أعماقها إنسانة تصرخ، تريد كلمة حب، أنها تعشقه، انه زوجها، أحبته بجنون ووقفت بكل إصرار امام كل المعوقات والعقبات كي تكون معه، لنقل انه حب من النظرة الأولى، انه اختيارها.

جالسة إلى جانبه في الحديقة الكبيرة ليحتفلوا وحدهما بأول يوم التقيا به، قبل خمسين عاما ونيف، التقيا هنا وكاد يغمى عليها عندما رأته، جلسا يتذكران وبدون مقدمات رفع يدها اليمنى إلى فمه وبدء يقبلها إصبعا إصبعا، قبل باطن يدها وقال لها "لا تعرفين مدى حبي لكي، أنني أحبك من أعماقي، حب لا يمكن ان يصفه شاعر" لقد تسمرت في مكانها عندما سمعت ما يقول، نعم انه الإنسان الذي عاشت معه خمسين عاما ونيف واقسمت أنها ستكمل رحلة حياتها معه. صعقت لهذا الاعتراف لانها أفنت حياتها بانتظاره، وجاء الان بعد ان بلغ من العمر اثنان وسبعون عاما وهي بنت السبعين كما يحلو له ان يسميها، وينزل بهذا الاعتراف عليها كالصاعقة وزاد عليه بانه يعشقها ومتعب من هذا العشق. انه شعور رائع، لم يكن يعلم بأن الحب لذيذ ومرهف ومتعب.

بحثت في أعماقها عن كلام تقول له، لكنها لم تجد ولا حرفاٍ تقوله تماماً، طار منها كل الكلام وهي الشاعرة والكاتبة وآلمتمكنة من نسج خيوط حريرية نادرة من الحب، ولكنها ما زالت تنظر إلى الوجه الذي عشقته وما زالت تعشقه. سألها لماذا أنتي هادئةً، أنني اعشَقُكِ يا أجملَ إنسانةٌ عرفتها في حياتي؟ نظرتْ اليه وقالتْ  بكُلِ حبٍ "كنتُ أتمنى أن أسمعَ كلامُكَ هذا عندما كنتُ صبيةً، وكنتُ  أذوبُ عشقاً بِكَ، لكنك بخلت عليَّ بكلمة وهيَّ أُحِبُكي."

أخذها بين ذراعيهِ والغريب أنَ الدموع تتلئ في عينيه "اعذريني يا جميلتي، لقد كنتُ أعمى، ولكنني كنت وما زلت الزوج والأب الذي لم يقصرْ بدوره" إجابته والدمع هيَّ يَملَئُ عينيها "أنْ تبوحَ لي الانَ بكلِ ما قلتَ الانَ والذي كنتُ بأمسَ الحاجةِ لهذهِ المشاعر منذ سنوات وسنوات، أينَ كُنتَ ؟" سكتتْ ودموعها تجري بصمتٍ لا تعرفْ لماذا ولكن في سرِها تعرفُ جيداً،  إنتابتها مشاعر غريبة، إنها اللحظات التي كانت تحلمُ بها لأنها تعشقهُ رغم كل الاذى الذي سببهُ لها، لكنها جاءت في وقت غير الوقت الذي تتمناهُ..... صامتةً هيَّ والكلامُ كالاعترافاتِ من جانبه، والوعودُ التي أبرمها لها سابقاً بأنهُ لها وهي تعلَّم بأنهُ لها، قالَ لها "أنني متأخرُ النضوجِ عاطفياً، لكنني وصلتُ وأشعرُ بالفخرِ بأنني وصلت، أحبكُ وسأبقى احبكي يا جميلتي، أمسكي بيدي ولنمشي كالعشاق، لان العشق ليس له عمر محدد". أمسكَ بيدها وشعرتْ بدفئٍ يجري في مفاصلِها كالمرة الأولى عندما أمسكَ بيدها عند اول لقاء لهما.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات