«إيلاف» من سلا: أجمع خبراء وباحثون من المغرب والولايات المتحدة على أهمية الفكر الذي يطرحه الفيلسوف ابن رشد، والذي استطاع أن يفرض نفسه في التاريخ، خاصة أنه يحتل المراتب الأولى على مستوى الدراسات الأكاديمية المختصة في القرون الوسطى.
و أفاد المشاركون في ندوة حول موضوع"الفيلسوف ابن رشد و أسئلة العصر، أو كيف نقرأ ابن رشد اليوم؟"، بمقر مؤسسة أبي بكر القادري للفكر والثقافة بمدينة سلا المجاورة للرباط ،مساء أمس الثلاثاء، أن الفيلسوف يشكل حالة استثنائية بكل المقاييس، و هو ما يتضح بشكل جلي من خلال قراءاته المتعددة، والتي تم اعتمادها في جامعات عديدة حول العالم.
الأكاديميان بن احمد والانصاري |
تكون الفكر اللاتيني
في سياق متصل، قال فؤاد بن أحمد، أستاذ الفلسفة بمؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، إن ابن رشد لعب دورا أساسيا في تكون الفكر اللاتيني، فضلا عن تأثر المسار العبري اليهودي به، و هو ما تناوله كثيرون، منهم الدكتور المغربي أحمد شحلان، المتخصص في اللغة العبرية، والكثير يدركون أن الفلسفة "توفيت" بعده، بالنظر لإسهاماته التي أثرتها و قامت بإغنائها.
و أضاف بن أحمد قائلا"في سنوات الخمسينات والستينات بالمغرب، كانت هناك مقاربات محلية تم اعتمادها في هذا الموضوع، بعد المرحوم عبد الله كنون، العالم والمفكر المغربي، و الذي درس جوانب من ابن رشد من خلال الفقه، دون مراعاة ما يحصل من حوله، في المقابل، كان هناك ازدهار دائم بخصوص الدراسات الرشدية نسبة (لابن رشد) في الغرب والتي لها أجنداتها، فحينما يهم أحدهم بدراسته، لا ينظر لابن رشد وإنما لـAveroes و هو الصيغة اللاتينية له".
واعتبر الأكاديمي المغربي أن التراث اللاتيني ينظر أكثر للفيلسوف الذي كان في قرطبة و مراكش، وهو أمر خلق اختلالا في التوازن، حيث ركزت الدراسات الغربية على جوانب دون أخرى، وحصل التركيز على نظرية ازدواجية الحقيقة، بمعنى أن ابن رشد كان يعتمد لغتين، الشريعة والفلسفة، و روجت الفكرة عن الرجل كونه يدافع عن حقيقة مزدوجة.
وأكد ابن احمد أن الكل أصبح مدعوا اليوم للحديث عن نصوص ابن رشد في شموليتها، من أجل فهم ما قاله لحد ما، و كيف بلور أفكاره و رؤيته لقضايا السياسة و الدين والعلاقات بين مكونات المجتمع.
وأفاد بوجود نوع من الانفتاح في المغرب، لكنه مصحوب بخلط، حيث كان الجميع يملك نفس التصور حول ابن رشد الفيلسوف، بتبني مواقف جاهزة و اعتباره معولا لقضاء حوائج أخرى، إما للدفاع عن العقلانية أو المساواة، وهو أمر مفيد، لكن أن يكون هو الرأي السائد فقط في الجامعات، فهذا بحد ذاته مشكل.
حوار بين تايلور و العمراني جمال |
دراسة النصوص
و صرح ريتشارد تايلور، من جامعة مركيت، ميلوكي، بالولايات المتحدة ، أن اهتمامه بتاريخ الفلاسفة و منهم ابن رشد، هو ما جعله يرأس فريقا بحثيا مكونا من 40 باحثا حول العالم، ينكبون على دراسة النصوص الفلسفية، بخلفياتها اليونانية وترجمتها العبرية.
و زاد تايلور قائلا"لما انكببنا على الاشتغال على توماس الأكويني، راهب دومينيكاني وفيلسوف، اكتشفنا أننا بصدد تناول مشاكل عويصة أمام الفكر البشري، و إزاء أصول عربية لابن سينا وابن رشد و الفارابي، وهو ما دعانا للعودة لهذه الأصول، من هنا يأتي سياق وجودنا في المغرب، من أجل العمل على دراسة تفصيلية لنصوص ابن رشد بالتركيز على جوانبها، و قد استمرت مناقشاتنا ليومين كاملين، وكانت مناسبة غنية بالنقاشات العميقة".
العلوي في حوار مع أحد الحاضرين |
الفكر النظري
من جانبه، دعا عبد العالي العمراني جمال، باحث بالمركز الوطني للبحث العلمي في باريس، الجامعات المغربية و دار الحديث الحسنية وجامعة القرويين إلى إعادة الفكر النظري بتحديثه انطلاقا من ابن رشد، وغيره من فلاسفة العرب، إضافة إلى تجديد الدراسات بناء على تمحيص النصوص بحرفية.
و قال الأكاديمي المغربي مقتبسا قولا للمؤرخ والفيلسوف الفرنسي ألكسندر كويري"العرب كانوا معلمين وأساتذة للاهوت والفكر والثقافة اللاتينية، فإذا أردتم معرفة فكر أريسطو عليكم بابن رشد، فلولا شروح ابن سينا والفارابي وابن رشد، ما استطاع اللاتينيون أن يفهموا فكره".
و أفاد العمراني جمال أن المجتمع اللاتيني تعرف على كتب أرسطو انطلاقا من أعمال ابن رشد المترجمة للغة العربية، بحيث لم يكن يعرفها مباشرة من اليونانية، خاصة أن شروح ابن رشد كانت تضم فقرات النص الأرسطي، لكن من خلال الترجمة العربية.
و انتقد العمراني جمال الفيلم المصري"المصير" لمخرجه الراحل يوسف شاهين، والذي تناول سيرة ابن رشد، بطريقة مشوهة، بنقل الفيلسوف للفكر اللائكي.
محمد اليازغي |
حالة استثنائية
و أشار عبده الفيلالي الأنصاري، من معهد الدراسات حول الحضارات الإسلامية في لندن، إلى أن ابن رشد شكل حالة استثنائية، ترجمتها دراسات متعددة لباحثين وأكاديميين سواء باللاتينية أو العبرية، فضلا عن وجود بورتريهات لهذا الفيلسوف الذي صنف كبطل عربي للفكر، في جامعات ومؤسسات، منها جامعات محلية في باكستان.
واعتبر أنه يقارب من خلال كتاباته تيمة الحكمة، حينما يربطها بالمعارف والمدارك، و يشجع المسلمين على فهم واستيعاب العديد من الأمور حول العالم، و بالتالي معرفة الخالق.
وأضاف قائلا"اتهم ابن رشد بتناول حقيقتين دينية وشرعية، لكنه يقبل التناقض، و كان يفيد بالحكمة الدينية ليدافع عن نفسه، لكن حكمته كانت فلسفية".
وشهدت الندوة حضور العديد من الشخصيات المغربية، من ضمنهم مولاي اسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، ومحمد اليازغي، الكاتب الأول ( الامين العام)السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية و التكوين المهني السابق، فضلا عن باحثين ومهتمين بفلسفة ابن رشد من مدن مغربية مختلفة، و باحثين من دول عربية وأجنبية أخرى، خاصة المكسيك وإسبانيا والولايات المتحدة.
رشيد بلمختار (يسار الصورة) |