تنتج البشرية ملايين الأطنان من المخلفات والنفايات يوميًا، بعضها يتحلل بحكم الزمن وبتأثير عناصر الطبيعة، وبعضها الآخر قادر على البقاء لعقود وقرون، بل ولآلاف السنين أيضًا، لا سيما المواد البلاستيكية والمشعة التي ترمز إلى التقدم الكبير الذي حققه الإنسان في العصر الحالي.
إيلاف: من الملاحظ أن النفايات والفضلات تنتشر في كل مكان في العالم لا سيما في الأماكن العامة، وهو ما يعتبره معظم المعنيين وغير المعنيين مصدر خطر هائلًا على البشرية بشكل عام.
وقد جرى حديث مطول عن قارة البلاستيك التي تطفو في المحيط الهادي، وتتحرك حسب مشيئة الرياح، فيما يقول متخصصون إن البشرية ترمي في المسطحات المائية ما يقارب من 275 مليون طن من المواد البلاستيكية سنويًا، وهو رقم من المرجح أن يرتفع حتى نهاية هذا القرن.
أسلوبان للخلاص
في مواجهة هذا الواقع وهذه الآفاق هناك أسلوبان في التعامل مع هذه الظاهرة، يقوم الأول على أمل إيجاد وسيلة تكنولوجية متطورة جدًا من شأنها تخليص الأرض من هذا الكابوس، فيما يقوم الثاني على اقتصاد تدوير المخلفات إلى حين الوصول إلى نقطة صفر منها مع محاولة التقليل من إنتاج مواد غير قابلة للتدوير.
قضية النفايات هي الموضوع الذي اختاره الفرنسي باتيست مونسانجون في كتاب حمل عنوان "هومو ديتريتوس (الإنسان المدمِر)، نقد مجتمع النفايات" وقد ضم خمسة فصول اعتمد فيها الكاتب على التسلسل الزمني والموضوعي في الوقت نفسه.
نطلع في الفصلين الأولين على تاريخ المخلفات البشرية وصولًا إلى التقنيات الحديثة المستخدمة في التعامل معها ثم نكتشف في فصلين آخرين تفاصيل كثيرة عن الفضلات البلاستيكية والعضوية. أما الفصل الأخير فكرّسه الكاتب لمناقشة ونقد أساليب إدارة المخلفات.
على صعيد التاريخ يشرح الكاتب الظروف التي رافقت نشوء فكرة ضرورة التخلص من المخلفات وإبعادها عن أماكن تجمع البشر انطلاقا من مبدأ الحفاظ على النظافة والاهتمام بالجانب الصحي، وهو ما مهد لظهور نمط حياة يعتمد على رمي كل شيء لا يحتاجه الفرد والتخلص منه. وأعقب ذلك نمو توجهات سياسية مؤيدة للبيئة تعطي وعودا ضخمة عن سبل التخلص من النفايات وتدويرها وحتى وقف انتاج مواد غير قابلة للتحلل أو التدوير.
محو الآثار
غير أن الكاتب يرى أن سعي الإنسان إلى التخلص من كل ما لا يريد ثم نقل هذه المخلفات إلى أماكن لا تراها العين ولا تؤثر على حياة الفرد اليومية حول الأفراد إلى كائنات تريد المحافظة على خفة حركتها ونسيان ما تم استخدامه في أحد الأيام ومحو الذاكرة من خلال رمي كل ما يحرك هذه الذاكرة.
وفي هذه الأثناء ومع تطور الأيام حولت الإدارات المناط بها التعامل مع المخلفات الأفراد إلى جهات مسؤولة بشكل أو بآخر عن التلوث وعن النفايات وعن سبل التخلص منها. نعني بذلك أن هذه الإدارات بدأت تطالب الأفراد بفرز النفايات أولًا ثم إلقائها في أماكن مخصصة لها، وهو ما يعتبره الكاتب فعلًا رمزيًا جدًا لأسباب عديدة، منها أن نسبة عالية من المنتجات البلاستيكية في العالم مثلًا لا تخضع للتدوير، ولا تطبق عليها سياسات فرز وإتلاف، بل يتم التخلص منها كيفما اتفق إما بمراكمتها في أماكن معينة أو بحرقها. وهو ما يمثل خطرًا على البيئة والصحة ... إلخ.
سبب آخر هو أن الفرز وإبعاد المخلفات عن الأنظار لا يلغي وجودها على الإطلاق، حتى لو تم تدوير جزء منها والاستفادة منه.
تمويه وتغطية
أضف إلى ذلك أن الفرز والإبعاد لا يلغي دور المؤسسات الاقتصادية التي تواصل إنتاج هذا النوع من المواد لأسباب ربحية ما يعني أن المسألة لا تمثل غير عملية تمويه وتغطية على حقائق يحاول المتنفذون التعمية عليها.
كل هذا يوصلنا بالنتيجة إلى أن كل ما يقال عن الفضلات والنفايات مجرد كذبة كبيرة وأن المجتمعات لا تستطيع السيطرة على فضلاتها في واقع الحال، وهو ما يفضحه الكاتب بشكل مباشر ومن دون مواربة موجّهًا اللوم إلى المؤسسات المسؤولة عن إدارة النفايات بشكل رئيس.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "دياكريتيك". الأصل منشور على الرابط الآتي:
https://diacritik.com/2018/01/12/nos-vies-dordures-lhomo-detritus-par-baptiste-monsaingeon/#more-29067