أخيراً، يبدو أنَّ الأمور تتجه لوقف الحرب بين حماس والجيش الإسرائيلي، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن هناك فرصة حقيقية لفرض السلام، عبر خطة كانت خلاصة لمبادرات متعددة، ولحسن الحظ فقد وافقت حماس على قبول خطة ترامب. تأتي هذه الفرصة بعد مرور سنتين من أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والمجازر التي ظلت ترتكبها إسرائيل طوال تلك السنتين بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة، حتى أسفر عدد ضحايا مجازر إسرائيل في غزة اليوم عن مقتل 66 ألف شخص، كما أدت إلى إصابة 168 ألفاً، وهو ثمن باهظ جداً، في ظل موازين قوى غير متكافئة أبداً بين كل من إسرائيل وحماس.
لقد بدا واضحاً، خلال أحداث العامين الماضيين وحتى يومنا هذا، إلى أي مدى استغلت إسرائيل أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 التي أشعلتها حماس، لتحقق خططاً كانت مبيتة من قبل، وهو ما تجلى بعد ذلك في إسقاط نظام الأسد، وتصفية الصف الأول من قادة حزب الله في لبنان، وإضعاف قوته، وحرب خاطفة على إيران أودت بحياة الصف الأول من قادة الحرس الجمهوري والجيش الإيراني، فيما لا تزال إسرائيل حتى يومنا هذا تمارس شتى أنواع القتل والتعذيب والتجويع بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
إزاء موقف مأساوي كهذا، نشطت الدبلوماسية العربية بقيادة المملكة العربية السعودية في خوض تجربة سياسية ناجحة لحصار إسرائيل وعزلها دولياً. لقد كان سلاح الدبلوماسية السعودية فعالاً حين سجل اختراقات غير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية العربية، من خلال ما تكلل من نجاح الجهود السعودية بعقد مؤتمر حل الدولتين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، أيلول (سبتمبر) الماضي، بقيادة المملكة العربية السعودية وفرنسا، والذي كان له الدور الحاسم في عزل إسرائيل دبلوماسياً، حيث كان تأثير ذلك المؤتمر في القوى الأوروبية تأثيراً نافذاً وقوياً أدى إلى اعتراف دول أوروبية مهمة في ميزان القوى الدولية كفرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا والعديد من الدول الأوروبية التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين واتخذت إجراءات إدارية وسياسية مهمة في ذلك الصدد.
لقد كان تأثير مؤتمر حل الدولتين الذي عقدته كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا كبيراً حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية، إذ نادى العديد من النواب الديمقراطيين والجمهوريين بطرح فكرة حل الدولتين على الرئيس دونالد ترامب. وفي تقديرنا أن تحرك الولايات المتحدة جاء بعد الضغوط القوية التي مارستها الدبلوماسية الدولية في مبنى الأمم المتحدة، مما اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتصريح القوي الذي أعلنه وقال فيه: "الحرب على غزة عزلت إسرائيل دولياً"، وتبعه في ذلك بعض وزراء الولايات المتحدة وسياسيوها.
إنَّ عزلة إسرائيل الدولية، التي هي إحدى نتائج نجاح المعركة الدبلوماسية الدولية التي قادتها المملكة العربية السعودية وفرنسا، تعتبر من أهم المكاسب لمستقبل القضية الفلسطينية. وهي التي وراء اتخاذ ترامب زمام المبادرة من نتنياهو وفرض عملية سلام لإنهاء حرب غزة، عبر المفاوضات التي تجري هذه الأيام في شرم الشيخ بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين بعد أن وافقت حماس على خطة ترامب.
اليوم الكرة في ملعب حماس، حيث إن نجاح الضغوط التي مارسها ترامب على نتنياهو يعتبر فرصة نادرة للخروج من المأزق الكبير الذي تورطت فيه عبر حرب غير متكافئة كلفت المدنيين الفلسطينيين أثماناً باهظة من الأرواح والدماء في غزة.
على حماس أن توافق على هذه الخطة عبر الفرصة السانحة وتساعد العرب والعالم في الضغط على عزلة نتنياهو الذي يتربص اليوم بكل هفوة أو خطأ يمكن أن ترتكبه حماس إزاء خطة السلام التي وضعها ترامب للسلام.
فاليوم ليس الخيار هو بين الحرب والسلام، بل الخيار هو تقديم الأولوية المطلقة لوقف تدفق الدم الفلسطيني الذي يسيل من المدنيين الأبرياء منذ عامين. إذ كشفت استطلاعات الرأي للعديد من قنوات التلفزة العربية والعالمية أن سكان القطاع يطالبون اليوم بوقف الحرب بأي ثمن ومهما كان، بعد أن تم تدمير 80 بالمئة من مدينة غزة. وبالرغم مما يمكن أن تنطوي عليه خطة ترامب من ضغوط صعبة على حماس وعلى القوى السياسية الفلسطينية، إلا أن للخطة إيجابيات مهمة جداً للفلسطينيين والعرب. فبحسب الخطة، لن يكون هناك تهجير لأهالي سكان غزة إلى أي مكان، كما سيتم إعادة إعمار غزة وقيام سلطة انتقالية دولية يساهم فيها العرب والفلسطينيون، إلى جانب النص على انسحاب إسرائيل من قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار.
إن نجاح خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على المستقبل السياسي لنتنياهو، الذي كان يتحجج بحرب غزة لإطالة مدة حكمه والبقاء في السلطة. ذلك أن التداعيات التي ستنجم عن عملية إحلال السلام في غزة على الوضع السياسي في إسرائيل ستؤدي، إما إلى انهيار تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف الذي يرفض الانسحاب من غزة عبر خوض انتخابات مبكرة تطيح بحكومة نتنياهو، أو سقوط نتنياهو في الانتخابات الدورية التي ستقام خلال العام المقبل 2026، ما سيعني تغييراً في الطبقة السياسية للسلطة في إسرائيل؛ الأمر الذي قد تحدث معه انفراجة حقيقية تؤدي إلى إحلال سلام دائم عبر إحياء مفاوضات حل الدولتين.
وهنا سنجد كذلك أن المملكة العربية السعودية، بثقلها الاستراتيجي والدبلوماسي، هي الضامنة الوحيدة لمستقبل السلام في الشرق الأوسط، متى ما قامت حكومة جديدة في إسرائيل تكون مستعدة للشروع في مفاوضات حل الدولتين وفق بنود المعاهدة العربية للسلام التي أعلنها الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – في مؤتمر القمة العربية ببيروت عام 2002.
في ظل العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل بسبب سياسات نتنياهو، ستحرص أي حكومة جديدة في إسرائيل على فك تلك العزلة، بعد أن أصبح واقع الاعتراف بالدولة الفلسطينية حقيقة سياسية دولية باعتراف دول أوروبية كبرى وصغرى بدولة فلسطين. لذا، فالطريق الصحيح لحل الدولتين مفتاحه بيد المملكة العربية السعودية عبر مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام في الشرق الأوسط، ولا شيء غير ذلك.