: آخر تحديث

رؤية صنّاع الفكر السياسي الفرنسي للدول العربية

3
3
1

النسخة العربية الإسلامية للدولة الغربية عملية عنف للثقافة والتاريخ، هذه المقولة هي الفكرة المفتاحية لكتاب "الدولتان – السلطة والمجتمع في الغرب ودار الإسلام" للباحث السياسي "برتراند بادي"، وهو أحد صنّاع الفكر السياسي الفرنسي المعاصر، وأستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق الفرنسية "كليرمونت". وفي هذه المقولة يتجسد مفتاح صندوق السياسة الفرنسية في علاقاتها الدولية مع العرب.

من المهم جداً أن نعرف أن السياسة الفرنسية ثنائية البنية، فهي في الظاهر أسلوب دبلوماسي واقعي متطوّر مع المتغيرات السياسية العالمية، ولا يعدم الدراماتيكية العلمانية في كثير من الأحوال الطارئة. لكن هذه الدبلوماسية، على ما فيها من بعد ظاهري عن تقاليد الإستراتيجيات العميقة، متجذّرة فيما ترسمه مجموعة المفكرين السياسيين الإستراتيجيين، وهم صنّاع أسس السياسة الفرنسية بعيدة المدى.

وفق هذا المنظور للبنية الثنائية للسياسة الفرنسية في علاقاتها مع العرب، نستشف مستوى تدخلاتها الدولية في أحوال العرب وقضاياهم. وإذا كان جزءٌ من هذه السياسة موجهاً في العمق من مفكري سياستها وصنّاع إستراتيجياتها، فإننا نستشرف قلق مواقفها من قضايا العرب. ويرجع ذلك إلى فهم مفكريها للدولة العربية الذين يعدّون نسيجها، ومنهم "برتراند" بوصفه أحد أبرز المؤثرين المعاصرين فيها.

يكشف برتراند في كتابه "الدولتان" عن تصوّر منهجي للدولة العربية التي يجب أن تتعامل معها السياسة الفرنسية. وهو يرى الدولة العربية تكويناً هجيناً من القبلية والإمارة الإسلامية التي بقيت محتفظة بمبادئ القبيلة العميقة في صبغة إسلامية مضطربة، تمثلها أفكار "الخوارج" وممارساتهم المتطرفة. وهي لا تنتج دائماً إلا احتجاجات، وهي في مراحل تاريخية، بحسب ما يرى برتراند، "تدعي امتلاك شرعية أعلى من شرعية الأمير". وهو يتخذ مرجعيته التاريخية من ادعاء الخوارج شرعية تفوق شرعية الخليفة، ولذلك قامت حروب الخوارج ضد الدولة على هذا الأساس.

من غير شك، رؤية "برتراند" للدولة العربية تاريخية محضة وأحادية النظرة، وهي رؤية مصدرها ثقافة مشوّهة أنتجها الاستشراق وفق قراءات غريبة عن بيئته، وكان من شرايينها الأساسية سرديات – غير بريئة من التسييس – عن تصرفات حكام العرب العباسيين والفاطميين.

لا نبالغ إن قلنا إن أحد مصادر ثقافة الغرب عن العرب سرديات "ألف ليلة وليلة"، ولا أدلّ من ذلك كبير كتّاب فرنسا فيكتور هوغو الذي لقيت رواياته استقبالاً منقطع النظير عند العرب، بينما كان هو في أشعاره يتخذ الحمار والجارية رموزاً لثقافة العرب الاستبدادية، يجسّد فيها تهكّماً من خلفاء المسلمين ودور المرأة في المجتمع الإسلامي، وكانت هذه الثقافة المشوّهة مصدر أفكار "البابا أوربان الثاني" منظّر الحملات الصليبية.

وفق هذه الثقافة، يرى "برتراند" أن الدولة العربية المعاصرة لم تنشأ من حداثة شرقية أو إسلامية، وهي مجرد احتجاجات لا تنتج نمط حداثة جديدة تلائم تطوّر الدولة المعاصرة في الغرب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.