: آخر تحديث
من الأمن والوحدة إلى حوكمة الأرقام والأثر (1727–2030):

شرعية الإنجاز في السعودية

0
1
0

إرثٌ راسخ، سيادةٌ فاعلة، وأثرٌ يُقاس: كيف وحدت السعودية مصادر شرعيتها في عصر رؤية 2030؟

تمهيد
رؤية 2030 ليست حالة طارئة في «شرعية الإنجاز»، بل امتدادٌ واعٍ لإرثٍ سعودي متأصّل بدأ بالأمن والوحدة ورفاه الوطن والمواطن. ما فعلته الرؤية هو أنها أصّلت هذا الإرث ورفعته إلى مستوى المؤسسية: حوّلت الإنجاز إلى أثرٍ مُقاس، وأدخلت منظومةً دقيقة من المؤشرات والحوكمة الديناميكية تربط الداخل بالخارج ضمن دورة تنفيذ وقياس وتحسين مستمرة.

1) الشرعية التقليدية: جذورٌ تمنح المعنى والاستمرار
تقوم الشرعية التقليدية في السعودية على العلاقة التاريخية بين الأسرة الحاكمة والمجتمع، وعلى الشراكة التي وحّدت المجال السياسي والديني منذ قيام الدولة السعودية الأولى. هذه الشرعية رسّخت الولاء والقبول الاجتماعيَّين بوصفهما عقدًا أخلاقيًا بين الحاكم والمواطن، قائمًا على البيعة والعدل ورعاية المصالح العامة.

ليست هذه الشرعية «ذاكرة أرشيفية»؛ إنها رصيدٌ قِيَمي يصون اللحمة الوطنية ويمنح الحكم عمقه الاجتماعي عند كل تحديث أو انتقال. ولذلك ظلّت الجذور التقليدية إطارًا ناظمًا للاستقرار والهوية، تُبنى عليه كل موجات التحديث اللاحقة.

2) شرعية السيادة: الاعتراف والقرار المستقل
شرعية السيادة هي أساس الدولة الحديثة: حدودٌ مصانة، اعتراف دولي، وحضور فاعل في المنظمات متعددة الأطراف. في الحالة السعودية، تتجسد هذه الشرعية في القدرة على حماية المصالح الوطنية وإدارة العلاقات الخارجية بقرار مستقل ومسؤول، وفي التموضع العالمي للمملكة لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد والطاقة والتمويل، وعضوًا فاعلًا في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين.

هذه الشرعية ليست «حقًا» فحسب، بل ممارسة مؤسسية يومية: دبلوماسية متوازنة، دور إقليمي لاستقرار الجوار، وتفعيل لأدوات القوة الناعمة والصلبة بما يخدم أمن المملكة وتنميتها ويعزّز احترامها الدولي.

3) شرعية الإنجاز: من «الأمن أولًا» إلى «الأثر المقاس»
تاريخيًا، تأسست شرعية الإنجاز السعودية على قدرتها على تأمين البلاد وتوحيدها وخدمة الوطن والمواطنين. وفي عهد رؤية 2030 لم تتبدّل هذه الشرعية بل تطوّرت؛ إذ أضافت القيادة السعودية إلى إنجاز الأمن والاستقرار منظومةً حديثة لـ«حوكمة الأثر والمؤشرات» جعلت الإنجاز قابلاً للقياس والمراجعة والتحسين المستمر. فالرؤية ليست حالةً طارئة في مسار شرعية الإنجاز، بل امتدادًا واعيًا لإرثٍ متأصّل أصّلته الرؤية ورفعته إلى مستوى المؤسسية: تحوّل الإنجاز إلى أثرٍ مُقاس، واتسعت أدوات التقييم والحوكمة الديناميكية لتعمل داخليًا وخارجيًا.

مَجالات التجلي الرئيسة:

التحوّل الاقتصادي: تنويع مصادر الدخل، تعظيم دور القطاعات غير النفطية، تحفيز الاستثمار المنتج، وبناء مشاريع كبرى تعيد تشكيل بنية الاقتصاد وفرص العمل.

التقدّم الاجتماعي: تمكين المرأة والشباب، توسيع الفضاءات الثقافية والترفيهية والرياضية، وتحويل «جودة الحياة» إلى معيار إنجاز لا شعار.

التحوّل التقني والمؤسَّسي: رقمنة الخدمات، تبنّي التقنيات المتقدمة، وربط السياسات بمؤشرات أداء رئيسية (KPIs) بخطوط أساس ومستهدفات زمنية وآليات متابعة دورية.

بهذا المعنى، تغدو «شرعية الإنجاز» عقدًا اجتماعيًا محدثًا: المواطن يرى الأثر في حياته اليومية، والمؤسسات تلتزم دورةً دائمةً من التخطيط والتنفيذ والقياس والتحسين.

4) الشرعية الهجينة: منظومة تتساند ولا تتعارض
المملكة اليوم نموذجٌ لـ«الشرعية المتعددة المصادر (Hybrid Legitimacy)»:

- التقليدية تمنح المعنى والجذور والقبول الاجتماعي.

- السيادة تمنح الاعتراف الدولي والقرار المستقل والمسؤولية.

- الإنجاز يمنح الحيوية والديناميكية و«لغة الأرقام».

التكامل بين هذه الأبعاد يصنع «منظومة شرعية» لا «عنوانًا واحدًا»: جذور راسخة، قرار مستقل، وأثر يُقاس ويُراجع. فالإطار التقليدي يحفظ الاستقرار الأخلاقي والاجتماعي، والسيادة تؤمّن حرية الحركة وحماية المصالح، والإنجاز يحوّل الرؤية إلى نتائج ملموسة قابلة للقياس.

5) لماذا تبدو «شرعية الأثر» حاسمة اليوم؟
لأنَّ الثقة العامة في القرن الحادي والعشرين تُبنى على سؤال بسيط: ماذا تحقّق فعلاً؟ في عالم سريع التحوّل، تصبح القدرة على تحويل السردية إلى مؤشرات ونتائج، وربط الداخل بالخارج، معيارًا للشرعية والفاعلية. وهنا تتقدم رؤية 2030 كمدرسة تنفيذ تُعرِّف النجاح بالنتيجة: من الفرص الوظيفية ونوعية الخدمات إلى جاذبية المدن والاستثمار والتموضع الدولي.

خاتمة: من شرعية البقاء إلى شرعية الأداء
لا تعتمد المملكة على مصدر واحد للشرعية، بل تُوازن بين التاريخ والسيادة والإنجاز. الجديد في رؤية 2030 ليس إلغاء الماضي، بل تحديثه: تُصان الجذور، تُصقل السيادة، ويُدار المستقبل بمنطق الأثر والنتائج. هكذا تتجدد الشرعية السعودية بوصفها عقدًا اجتماعيًا قائمًا على الأداء القابل للقياس، لا على الوعود والخطابات، مع امتدادٍ طبيعي لتأثيرها من الداخل إلى الإقليم والعالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.