متواضعة هي طموحات المواطن اللبناني، جلّ ما يطلبه أن يشعر بأنه مواطن.. لا تابع. هي معادلة بسيطة: ترميم دولة المؤسسات يضعف دويلات الطوائف بأعلامها ويعزّز جبهة المواطنة.
يراهن على ضعف الذاكرة من يظن أن توافقاً لبنانياً أتى بالعماد جوزف عون رئيساً وبالقاضي نواف سلام في سدة السلطة التنفيذية. الضغطان الأميركي والسعودي على وجه الخصوص نقلا لبنان واللبنانيين مطلع العام الجاري من نفق اليأس إلى محطة الأمل ببناء وطن المؤسسات. وبالتالي فليسمح لنا كل من يدّعي بأن ثمة توافقاً بين أية كتلة نيابية والعماد عون على خارطة المرحلة المقبلة، وتحديداً فيما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
يُحيي القاضي نواف سلام في تعاطيه بالعمل المؤسساتي عهد رئيس الحكومة الراحل سليم الحص، وقد حرص على المشاركة في فعالية إطلاق اسم سليم الحص على أحد شوارع قلب العاصمة اللبنانية. بيد أن المحللين يأملون لو يأخذ الرئيس سلام قليلاً من "مرونة الحزم" التي تميز بها الرئيس الراحل رفيق الحريري، عله يتفادى الانجرار إلى ميادين خصوم دولة المؤسسات، وبشكل أدق ميادين التقوقع الطائفي التي تضعف فرص التغيير وتوقد الشرارة الانتخابية لمعارك تحت شعارات قديمة تتجدد مع كل استحقاق: "لا لتحجيم الطائفة الفلانية" ولا لتطويق "الزعيم الفلاني"!
مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن مجلس النواب اللبناني يضم كوكبة مضيئة من الأشخاص في ميادين النزاهة والإخلاص ومعايشة الهمّ اليومي للناس.
في التقدير، النواب والنائبات الذين واللواتي استظلوا بعباءة التغييريين فشلوا أو أُفشلوا أو تفاشلوا في زرع نواة معارضة وطنية غير طائفية في حقول دويلات الطوائف بأعلامها. البعض يبرّر لهم من زاوية سلاح النفوذ لهذه الدويلات في مؤسسات الدولة، وآخرون يتحدثون عن صفقات جرت في الانتخابات الماضية أوصلت مرشحين إلى المجلس النيابي لاستيعاب موجة الرغبة الشعبية بالتغيير.
اليوم، العهد الجديد مطالب باستكمال عملية انتشال الشعب من مستنقع اليأس المزمن وتحرير المؤسسات من سلاح النفوذ، وتعبيد جسور التلاقي الخدماتي بين المواطن ووطنه. وفي المقابل، على الشعب أن يستعيد شيئاً من كرامة الذاكرة، ويكون شريكاً في إعادة بناء الوطن عندما يتوجه إلى صناديق الاقتراع العام المقبل، حينها فقط نستحق أن نكون مواطنين شركاء، لا مجرد مجاميع شعبية تابعة.