لقد ولّت تلك الأيام، وأصبح ما يحدث اليوم يختلف جذرياً عن السابق. هذا هو حال النظام الإيراني عندما يريد التذكير بسابق أيامه عندما كانت سياسة الاسترضاء والمسايرة في أوجها، وكان النظام يستخدم عشرات الطرق والأساليب لاختراق جدار العقوبات الدولية المختلفة ولاسيما في مجال تصدير النفط، لكنه يعلم جيداً أن تلك الأيام قد ولت إلى غير رجعة، وأن ما يحدث اليوم أو ما سيحدث غداً يختلف جذرياً عن تلك الأيام السابقة.
إخضاع السياسات الداخلية والخارجية للنهج الصارم الذي يتمسك به النظام الإيراني، أثر سلباً على الأوضاع في إيران، ولم يجعل الأمور تسير بحسب السياقات المحددة لها كما هو سائد في بلدان العالم. وهذا ما ميّز السياسات الإيرانية وجعلها تتسم بطابع يثير الشبهات وينظر إليها بعين الريبة. ولو نظرنا إلى مشروع حل الدولتين الخاص بأزمة الشرق الأوسط، والذي توافق عليه معظم البلدان العربية والإسلامية، فإن النظام الإيراني وحده من يرفض هذا الحل، بل وحتى إنه يعتبره موقفاً مبدئياً له، إلى الحد الذي أشاد به وزير الخارجية السابق أمير عبداللهيان بصورة غريبة عندما قال إن نظامه وإسرائيل يتفقان من حيث رفضهما لحل الدولتين!
معارضة حل الدولتين لم تكن موقفاً منطقياً وعقلانياً يمكن للعالمين العربي والإسلامي أن يقتنعا به، وإنما كان موقفاً مثيراً للشبهات، وقد بُني على أساس إبقاء أزمة الشرق الأوسط من دون حل واستمرار التأزم وحالة اللاسلام واللاحرب، وهو الأمر الذي يضر بالقضية الفلسطينية أكثر مما يفيدها، في وقت يخدم سياسات النظام من أجل التصيد في المياه العكرة للقضية الفلسطينية. ونفس الموقف فيما يتعلق بالسلام والأمن والاستقرار في بلدان المنطقة، إذ إن النظام أراد ويريد أن تبقى الأوضاع مضطربة لكي تستمر تدخلاته.
أما بالنسبة إلى الأوضاع الداخلية في إيران، فإن النظام يحرص كثيراً على استمرار حالتين وجعلهما السائدتين في البلاد، وهما الممارسات القمعية التعسفية من سجون وتعذيب وإعدامات من أجل إرعاب الشعب، وكذلك إفقار وتجويع الشعب الإيراني لكي لا يفكر بأي شيء آخر غير حياته المعيشية. ومن دون شك، فإن هذه السياسات التي رسمها النظام على هدى من نهجه، لم يُكتب لها النجاح كما كان يرجو ويتوقع، بل وحتى إنها انعكست عليه سلباً وصار يعاني من جرائها، لكنه ولأنه أسير نهجه المشبوه، فإن تخليه عنه ولو لفترة قصيرة سيؤدي إلى انهيار شامل.
هذا النهج الذي تسبب في اندلاع أربع انتفاضات شعبية كبرى وعشرات الآلاف من التحركات الاحتجاجية، هو الذي أوصل النظام إلى تفعيل آلية الزناد وإعادة فرض العقوبات الدولية عليه، وجعله في مواجهة عزلة دولية غير مسبوقة وأزمة عامة خانقة. ذلك أن هذا النهج الذي أثبت فشله وعدم جدواه بالنسبة إلى الشعب الإيراني، يواجه معارضة كبرى من جانب مختلف أطياف وشرائح الشعب الإيراني، ومن جانب معارضته الوطنية العامة المتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. واليوم، وفي ظل الأحداث والتطورات الجارية، يقف النظام على مسافة قصيرة جداً من حافة هاوية السقوط.
خنجر النظام الإيراني في خاصرة الشعب الفلسطيني البريء
إنَّ نظام ولاية الفقيه هو الطرف الوحيد الذي يعارض عملية السلام، ويسعى لاستمرار الحرب واستمرار معاناة الرهائن والأهالي والأطفال الأبرياء في غزة وعموم الشعب الفلسطيني وإسرائيل. ولهذه المعارضة وقائع تثبتها:
كتب خامنئي شخصياً في مقال افتتاحي لصحيفته يوم الخميس 2 تشرين الأول (أكتوبر)، تحت عنوان "خطة سلام ترامب، خطة إنقاذ نتنياهو من مستنقع غزة"، قائلاً: "غزة لا يمكن أن تستسلم؛ لا بالقوة في حرب غير متكافئة شاملة؛ ولا بالخداع...".
ووصف الملا أحمد خاتمي، إمام الجمعة التابع لخامنئي في طهران، ظهر الجمعة 3 تشرين الأول (أكتوبر) (أي قبل رد حماس)، خطة سلام ترامب بأنها "خطة شيطانية"، وقال: "الفلسطينيون لم يقبلوا ولن يقبلوا بهذه الخطة".
آخر طعن وإجراء حاقد من خامنئي، قبل معارضته لعملية السلام الحالية والاتفاق الذي تم التوصل إليه لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن، هو عداؤه الحاقد لمبادرة المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية للتوصل إلى حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين، والمتمثلة في "إعلان نيويورك". وهي خطة تم تبنيها في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 أيلول (سبتمبر) بـ142 صوتاً مؤيداً، لكن نظام الملالي امتنع عن التصويت عليها.
الموقف البديل: المقاومة الإيرانية ترحب بالسلام
وتأكيداً لهذا التحليل، وانسجاماً مع حقيقة أن النظام الإيراني يرى بقاءه في تأجيج الصراعات، جاء الموقف الأخير للمقاومة الإيرانية رداً على أفق السلام في المنطقة.
ففي أحدث المستجدات بتاريخ 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2025، وعقب قبول حركة حماس لمقترح الرئيس الأميركي وخطة وقف إطلاق النار في غزة، صرّحت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، بترحيبها بأفق وقف إطلاق النار وإنهاء سفك الدماء والحرب في غزة، مؤكدة أن خامنئي لن يكف عن عرقلة السلام وتأجيج الحرب والفوضى ما دام في السلطة.
وأضافت السيدة رجوي: "كما أعلنت المقاومة الإيرانية دائمًا، فإن الدكتاتورية الدينية والإرهابية الحاكمة في إيران كانت العامل الأهم للإرهاب واحتجاز الرهائن وإشعال الحروب وعرقلة السلام على مدى العقود الماضية. إن القمع والمجازر في الداخل، وإشعال الحروب وتصدير الإرهاب، والسعي للحصول على القنبلة الذرية، هي الأركان الأساسية الثلاثة لاستراتيجية بقاء الفاشية الدينية الحاكمة في إيران."
وأكدت السيدة رجوي أن النظام الإيراني قد استغل القضية الفلسطينية بأبشع الطرق خلال الـ45 عاماً الماضية، وأطال وعمّق من معاناة الشعب الفلسطيني من خلال تصدير التطرف، وبذر الفرقة، ومحاولة اغتيال قادة منظمة التحرير.