قبل انقضاء المهلة التي حدّدها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لحركة حماس من أجل إطلاق سراح الرهائن الأحياء وإعادة جثامين الأموات، أصدرت الحركة بيانًا وافقت فيه على بعض مقترحات ترامب، وأرادت المناورة في بنود أخرى.
وكما هلّل البعض لعملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حماس يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، ووصفوها بأعظم عملية عسكرية "تحريرية"، خرجت الأصوات نفسها لتهلّل للموقف الصادر عن الحركة حيال مقترح ترامب، ووضعته في مصاف أعظم المناورات السياسية التفاوضية.
لكن لعبة التذاكي والمناورة وعامل الوقت لن تنفع هنا، فالظروف مختلفة بشكل كبير عن الأشهر التي سبقت إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، مثلًا. ومحاولة استمالة الأميركيين ورئيسهم دونالد ترامب، وإحراج بنيامين نتانياهو، لن تنجح، لأن الطرفين (الأميركي والإسرائيلي) يجتمعان على مبادئ ثابتة تتمثّل في استعادة الرهائن وإنهاء وجود الحركة.
بيان الحركة الذي رحّب بجهود ترامب، هدف -وبحسب رأيهم– إلى محاولة دغدغة الرئيس الأميركي عبر الموافقة على مطلبه الرئيسي المتمثّل باستعادة الرهائن فورًا، والبدء بخطوات لإتمام هذه الخطوة عبر ضرورة وقف إطلاق النار ليتسنّى للحركة تجميع المخطوفين والجثامين، وتعطيل مبدأ نتانياهو الذي كان قائمًا على التفاوض تحت النار. وبذلك يعطون ترامب نصرًا، ويفتحون باب المناورة على البنود الأخرى التي تتعلّق بإدارة قطاع غزة ومستقبل حماس؛ فالحركة التي أرادت، منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، تغيير وجه المنطقة وتحصيل مكاسب استراتيجية، وجدت نفسها أمام خيار مناقشة مستقبلها، بعدما قامت بأكبر عملية انتحار جماعي أصابت شظاياها بشكل مباشر حلفاءها في الشرق الأوسط.
الإسرائيليون، من جهتهم، ردّوا على مناورة حماس بمناورة أكبر، كي لا يُغضبوا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحوّلوا جهودهم العسكرية من الهجوم إلى الدفاع، في انتظار الأيام القادمة، كي يتسنّى وضوح رؤية حماس ومن خلفها بشكل أوضح.
ويبقى السؤال: على ماذا سترسو الأمور في الأيام القادمة؟
وفق التسلسل الزمني لمقترحات ترامب، فإن الأخير، ومعه حكومة نتانياهو، سيحصدان في الفترة الأولى الجائزة الكبرى، والمتمثلة باستعادة الرهائن والمحتجزين. أما حماس، فستبدأ رحلة البحث عن استمرار الحياة في الجولة الثانية، وستكون قد فقدت ورقتها الأساسية، وهي ملف الرهائن. لذا، فإن محاولة المناورة في موضوع مستقبل إدارة قطاع غزة ستكون ضعيفة للغاية، وستُفسَّر على أنها خروج عن خطة ترامب للسلام، فالعامل الإسرائيلي العسكري سيكون موجودًا لإتمام عملية إخراجها من المشهد بشكل كامل. وستصبح الحركة بين نارَين: الجيش الإسرائيلي من جهة، ومقاتلين فلسطينيين يتبعون لعائلات في القطاع من جهة ثانية، وهؤلاء أصبحوا يتحيّنون الفرصة للتخلّص من حماس لشعورهم بالاضطهاد من جانبها.