قرع المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان، وسفير واشنطن في تركيا، طوم براك، جرس الإنذار للدولة اللبنانية على خلفية عدم التحرك جدياً في مسألة نزع سلاح حزب الله، وبسط سلطة الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار الموقع في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي.
وبحسب المعلومات فإن تصريح براك يُعدّ محاولات أميركية أخيرة لتجنيب لبنان سيناريو حرب جديدة قد تنطلق بعد التوقيع على اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، كما أنه يعيد التذكير بالجهود الأميركية التي بُذلت في عام 2024 قبل انطلاقة الحرب الشاملة في أيلول (سبتمبر) من ذاك العام، عندما برزت محاولات أميركية واضحة لاحتواء الوضع ومنع تفجّره، فواشنطن كانت ولا تزال غير راغبة بانفجار الجبهة اللبنانية نظراً لرغبتها في عدم وصول النيران إلى بلاد الأرز، وعدم قدرة بيروت في الأصل على تحمّل أعباء حرب.
يومها، منذ الأسابيع الأولى للمعارك الحدودية، قاد المبعوث الأميركي آموس هوكستين سلسلة من الزيارات والاتصالات مع المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين، في محاولة لوقف التصعيد، ومع تصاعد المخاوف من اندلاع حرب أوسع، كثّفت الإدارة الأميركية ضغوطها السياسية والدبلوماسية على الطرفين، مؤكدة عبر أكثر من قناة أنها لا ترى مصلحة في توسيع رقعة الحرب.
وعلى خط موازٍ للجهود الأميركية المبذولة تجاه بيروت، كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن تعمل على منع إسرائيل من التصعيد الفوري تجاه لبنان، وإعطائها ضمانات تؤكد أنها ستتدخل إلى جانبها إذا ما قام حزب الله بهجوم على المناطق الشمالية في إسرائيل. ولكن الرد اللبناني على المقترحات الأميركية كان صادماً بحسب كثيرين، فالتصريحات التي سمعها موفدو إدارة البيت الأبيض بخصوص استحالة خروج حزب الله من جنوب الليطاني، والمطالبة بوقف حرب غزة قبل التطرق إلى مسألة حرب الإسناد، أوصلتهم إلى قناعة تفيد بأنهم يريدون مصلحة لبنان أكثر من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم. ومع توسع رقعة الحرب عاد حزب الله والحكومة للموافقة على ما كان الأميركيون يطالبون به لأشهر مضت لتجنيب لبنان الدمار والنزوح والقتل.
وبعد توقف الحرب، تعاملت السلطة اللبنانية مع مسألة نزع السلاح والجهود الأميركية كما كانت تتعامل مع أحداث سابقة، ظنّاً منها أن اهتمام الدول لن يبقى منصبّاً على تطبيق الاتفاقيات تماماً كما حدث بعد حرب تموز (يوليو) 2006، حتى إن العديد من المسؤولين العرب والغربيين الذين توسموا خيراً بانطلاقة العهد الجديد بدأ اليأس يتسرّب إلى أنفسهم، وبراك مثال على ذلك. فالموفد الأميركي حاول إراحة الحكومة اللبنانية في مطلع تموز (يوليو) وإبعادها عن الضغط عبر القول إن مسألة السلاح يجب أن تُحل داخلياً، لكن الردود اللبنانية العملانية على الأرض لم تكن على المستوى المطلوب.
المسألة اللبنانية وإمكانية لعب السلطات لدورها من عدمه باتت تثير دهشة الدول، لأنه ومن غرائب الأمور السياسية أن تقوم الدول الخارجية بدعوة ومطالبة السلطة اللبنانية بلعب دورها البديهي المتمثّل بفرض سلطتها على أراضيها، والعمل على ضمان عدم وجود أي سلاح خارج سلطتها. هذا الاندفاع العالمي، والتلكؤ وصمّ الآذان في لبنان، قد يساهم أكثر في ابتعاد الاهتمام عن بيروت.
في المحصلة، يبدو أن لبنان يقف اليوم على حافة مواجهة كبرى، فيما تتحرك القوى الإقليمية والدولية في محاولة لتجنّب الأسوأ مع ارتفاع حظوظ توقف الحرب في قطاع غزة، وبالرغم من الجهود المبذولة فإن غياب المبادرة اللبنانية يزيد المخاوف من أن يتحوّل الجنوب اللبناني إلى ساحة الحرب المقبلة.