كان من شأن بيان بمفردات التحية والتعزية في الوقت نفسه يستبق به الرئيس نوَّاف سلام الذكرى السنوية الأولى لإستُشهادالرمزين الحاضريْن في البال الوطني بين لبنان وأقصى العالم العربي السيديْن حسن نصرالله وهاشم صفيِّ الدين وإعتبار البيان أنه كما البيانات الحكومية والرئاسية التي تصدر تقليداً في ذكرى شهداء السادس من أيار 1946، إستباق هذا الذي لم يكن في الحسبان، لكنه حدَث وكان صادماً لرئيس الحكومة وللشعب اللبناني عموماً وللإنطباعالعربي والدولي عن كياسة العقل السياسي اللبناني.

السراي الحكومي في لبنان مضاءً بمناسبة عيد العلم (2024)
لا نقصد بالبيان إرفاق التحية – التعزية بالعبارات التي ترِد عادة في تصريحات يدلي بها الرسميون والحزبيون وكلٌ من منطلق هواه وتستهدف مواقف رؤساء وحكومات في دول العالم، وإنما البيان الذي منطلقات مفرداته الإضاءة على التضحية التي يمكن تفاديها. فالشهيدان حسن نصرالله وهاشم صفيِّ الدين كانا، وما زالا رمزيْن لقضية يلتقي حولها اللبناني الملتزم كما اللبناني المتقد حماسة، بل وحتى اللبناني الذي يروم إنعزالاً، تتعزز بمطار يصار إلى إعادة تشغيله رديف مطار العاصمة وإلى مرفأ يصار إلى تأهيله ثم إعتمادهمسانداً لمرفأ بيروت المنتظِر إحقاق الحق والعدالة حول الذي إفتُعلبه. ونقول ذلك على أساس أن الخطر الإسرائيلي لا يستثني أحداً يريد وقفة إلى جانب شعب ذاق الويلات، فضلاً عن أن صلة اللبناني بجناحيْه المسلم والمسيحي بالرمزيْن المتمثليْن بالسيد حسن والسيد هاشم ليست صلة عداوة وإنما هو مجرد تباين في الرؤى على خلفيةعقائد يختلط فيها الوطني بالمذهبي.
في السادس من أيار من كل عام نحْيي في لبنان ذكرى الأبرار الذين أعدمهم شنقاً الوالي العثماني جمال باشا. كانوا مجموعة من خيرة شعبنا تصدى كل منهم في شكل أو آخر للعثماني الجائر. وكانوا يرون النضال كما يرى "حزب الله" بمثابة فريضة، مِن جرجي الحداد إلى عبدالغني العريسي إلى بترو باولي إلى سعيد فاضل عقل إلى عمر حمد إلى عبد الغني العريسي إلى محمود البخاري إلى الشيخ أحمد طبارة إلى توفيق البساط إلى الخوري يوسف الحايك إلى فيليب وفريد الخازن إلى نخلة المطران إلى عبدالله الضاهر إلى يوسف الهاني إلى يوسف سعيد بيضون. وإلى هؤلاء رفاق درب وطنية لهم أعدمهم السفَّاح العثماني في دمشق.
ويعتز اللبناني جيلاً بعد جيل بهؤلاء الشجعان الذين تصدوا للحاكم العثماني المحتل وكانوا بطبيعة الحال يستعينون للضرورة،وليس بئية الإضرار بالوطن، بأطراف دولية زمنذاك من أجْل نصرة جهادهم وديمومته كما إستعانات الزمن الراهن على أنواعها أميركية وخليجية وإيرانية وينسقون مع رموز وطنية سورية للهدف نفسه.
ولأن سيرة هؤلاء مدرجة في السجل الجهادي والوطني، فإن إحياء ذكراهم مصدر إعتزاز. ولكم أحزن النفوس كثير الحزن ما سبق أن أصاب تمثال الشهداء في قلب العاصمة بيروت. لكن المشاعر إستمرت ترى في أولئك الشهداء أنهم شعلة تفرز مشاعل. كما أن الدولة إعتمدت يوم السادس من أيار من العام ذكرى تكريم لهم. ويتحدث لمناسبة الذكرى أُولو الأمر في الدولة من الرئيس الأول إلى الثالث وبينهما الرئيس الثاني، ويصدر بيان بروحية البيان اللاحق للرئيس جوزف عون ووضْع إكليل على النَصب، ولا تحدُث سجالات في هذا الشأن.
بطبيعة الأمور هنالك تبايُن في مسألة إحياء الذكرى. وكان بدل إستباق ذكرى إستُشهاد السيديْن حسن وهاشم ببيان لم يأخذ في الإعتبار المشاعر وطبيعة المعبَّأين مذهبياً وثورياً، إصدار بيان حكومي تكريمي للذكرى التي رمزاها بذلا من الجهد والجهاد أكثر بكثير من الذي بذله الأخيار الذين شنقهم "الباشا العثماني". وفي الحالتيْن إن الإستشهاد كما تعليق المشانق كانتا من أجل الوطن.
وثمة مبالغة في ترميز صخرة الروشة إلى حد إعتبارها رمزاً وطنياً يختص بأهالي بيروت دون غيرهم ويستحق التحدي على نحو ما هو قد يكون في بال المتجمهرين ودراجاتهم ويافطاتهم وحناجرهم الصارخة مع ملاحظة أن التنوع المذهبي للعاصمة ليس كما هو في الخاطر البيروتي، ثم إن إعتبار الصخرة تخص الشخصية البيروتية، ربما يقود إلى إعتبار قلعة بعلبك تخص البعلبكيين دون غيرهم. كذلك الأمر (على سبيل المثال لأن الأمثلة كثيرة) بالنسبة إلى قلعة جبيل التي هي حكرعلى الجبيلييْن، عِلماً بأن القلعتيْن عملياً لكل اللبنانيين من بنت جبيل المكلومة حديثاً إلى الرحاب البقاعية التي تتأذى دائماً وتصبر على الضيم يشهد على ذلك جوارها الماروني.
هنا لا بد من القول إن صخرة الروشة المنقولة أهميتها من رمز إنتحار اليائسين من الحياة ومنظر أخَّاذ للمتنزِهين والزوار وهواة إلتقاط الصور، إلى إعتبارها شاشة صخرية تلمع عليها صورتيْالسيديْن، هي مجرد حالة عابرة، فضلاً عن أن "السيناريو" غير مبهج جملة وتفصيلاً، وزاده عدم إبتهاج أنه تحوَّل إلى غضب فإعتكاف، فيما التظاهرات تتوالى في المدن الأوروبية من أجْل القضية نفسها التيدفع كل من السيديْن ودون غيرهما من رموز العمل السياسي اللبناني الرسمي حياتهما من أجْل قضية، وتستحق ذكرى إستُشهادهما بياناً من الحكومة وإشادة ببسالتهما وببسالة رفاق قضوا معهم وقبْلهم من جانب رئيس البلاد كونه صاحب رصيد عسكري وأدرى من سائر الطاقم السياسي بمعنى التفاني حتى الإستشهاد من أجْل القضية التي هي عربية - لبنانية - فلسطينية - إسلامية - مسيحية.
تحية ووقفة تهيُّب لذكرى إستُشهاد السيديْن حسن وهاشم وكوكبة شجعان سبقوهما وآخرين قضوا معهما "شهداء الحاضر الإسرائيلي" كما "شهداء الماضي العثماني". فهؤلاء من مسلمين ومسيحيين سُنة وشيعة ودروز وعلويين موارنة وأرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت ومعهم اليهودي الصالح المستقيم "شهداء الله في الأرض" على حد قول رسول الله صلوات الله عليه. وللغاضبين الرسمي منهم الذي أصدر البيان التنظيمي ﻟ "إحتفالية النصر" والحزبي،الذي لم يأخذ به متحدياً، قول الرسول أيضاً "ليس الشديد بالصُّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
... والله الهادي.