: آخر تحديث

لبنان... الدولة والسيادة

4
3
3

اتفاق الطائف، الذي وُقّع عام 1989 في مدينة الطائف السعودية، كان المرجعية الأولى لوثيقة الوفاق الوطني اللبناني، وهو الاتفاق الذي عبدت بنوده مسار الطريق لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وكان من أبرز وأهم تلك البنود المطالبة ببسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها للدولة، وبعدها جاءت تباعاً خطوات معالجة قضية المهجرين والعودة إلى الوطن، وتحقيق إصلاحات سياسية وإدارية واقتصادية، وتعزيز الوحدة الوطنية اللبنانية وعلاقاتها العربية، ولكن بند حل جميع الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة طُبّق على القوى اللبنانية التي شاركت في الحرب الأهلية، بينما استُثني سلاح (حزب الله) تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا التوصيف كان الحجة الوهمية التي علّقت تفعيل بند تسليم سلاح الحزب، وأخرجته من قوائم الاتفاق الرئيسية، وتقبل الرأي العام بنسب متفاوتة هذا التوجه، تحت غطاء استمرار المحتل الإسرائيلي في عدوانه، وعلى أرض الواقع داخلياً سلك القرار اللبناني اتجاهين: دولة تبحث عن بسط سيادتها، وتيار يدار "عن بُعد" سياسي وعسكري، بمعنى أكثر وضوحاً من خارج حدود الدولة، تناوبت عليه التوجيهات حينها بين دمشق وطهران.

وتجاوز سلاح الحزب الشعارات المزيفة التي تحتمي خلف عبارة حماية لبنان، وبات يستخدم كورقة ضغط مكشوفة يلعب بها المقامرون سياسياً على المستوى الداخلي والإقليمي لتحقيق مصالحهم، خاصة بعد أن استجاب الطرف الفلسطيني لمطالب نزع السلاح من المخيمات.

عندها انكشفت مناورة حزب الله ليجد نفسه في مواجهة مباشرة مع القرار السيادي اللبناني والمطالب العربية والدولية، ونسفت عملية تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية جزءاً كبيراً من خطاب الحزب، وكانت بمثابة تأكيد على أن القضية الفلسطينية لم تعد ذريعة لوجود سلاح خارج سيطرة الدولة، وبات "حزب الله" أمام خيارين: إما مع لبنان الدولة والسيادة، أم الاستمرار تحت غطاء الموكّلين وذراعاً لتنفيذ الأجندات الخارجية، والدخول في نزاعات سياسية وحروب بالوكالة، الأمر الذي عرقل المساعي العربية والدولية للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، واستعادة لبنان لعروبته ودعمه لترميم جراحه، والدفع بتطبيق القرارات الدولية ذات العلاقة.

وبعيداً عن إشكالية مرجعية ملالي قم، بات الحزب ميليشيا مسلحة لا تتمتع بأي صفة قانونية أو شرعية، ولا سبب لوجودها، ولا تخدم مصالح اللبنانيين، بل ألحقت بهم أضراراً بالغة بشرية ومادية، عندما سقطت عاجزة عن حمل لواء الدفاع المزيف عن الأرض والحقوق المغتصبة، وآخرها ما تسببت به من خسائر جسيمة وخراب على الصعيد اللبناني، وعلى مستوى القضية الفلسطينية، عندما زعم عمائمها أنهم يخوضون حرب الإسناد لغزة، والنتيجة دمار شامل للقطاع، ومنح جيوش إسرائيل ذريعة العودة والتوسع في العدوان واحتلال أجزاء من الجنوب.

ولا بد أن يدرك اللبنانيون بكل طوائفهم أنَّ ضمان السيادة والاستقرار في بلادهم لن يتحقق إلا بالتكتل خلف إرادة وطنية تنتزع سلاح الخراب الحزبي، للضغط على إسرائيل وإلزامها بالانسحاب الكامل وتنفيذ القرار 1701.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.