: آخر تحديث

زيادات الإيجار التعسفية.. هل يحتاج السوق لرقابة حكومية؟

8
8
7

عندما أعلن الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار عبد الله الحماد عن مراجعة العلاقة بين المالك والمستأجر، أضاء هذا التصريح أملًا للمستأجرين الذين يعانون من أسعار إيجارات تتغير دون منطق أو مؤشرات عادلة، بل بناءً على قرارات فردية من الملاك. في غياب جهة رقابية تشرف على هذه العلاقة، يصبح المالك هو المتحكم الوحيد، يرفع الأسعار كيفما شاء، تاركًا المستأجر أمام خيارين: الرضوخ أو الرحيل. هذا الواقع أدى إلى تذبذب الأسعار وتفاوت كبير حتى ضمن الحي الواحد، مما خلق فوضى سعرية أفقدت السوق الثقة، وضربت الطبقة المتوسطة التي تشكل غالبية المستأجرين في المدن الكبرى.

المشكلة لا تقتصر على ديناميكيات العرض والطلب، بل تتجذر في غياب جهة حكومية إشرافية تعمل كمنظم، لا مجرد وسيط، تتولى مراقبة مؤشرات الأسعار والموافقة على زيادات الإيجار بناءً على مبررات منطقية، كارتفاع التكاليف التشغيلية أو تحسينات ملموسة في العقار. ترك العلاقة رهينة باتفاق ثنائي يفتح الباب للتلاعب والاستغلال، مما يؤدي إلى تشوهات في السوق تعيق تحقيق التوازن. إنشاء جهة إشرافية، سواء كانت هيئة مستقلة أو تابعة لوزارة الإسكان، سيضمن وضع معايير شفافة لتحديد الإيجارات بناءً على التضخم، متوسط الأسعار المحلية، وحالة العقار. يتعين على الملاك تقديم طلبات رسمية مدعومة بمبررات واضحة قبل أي زيادة، مما يحد من الزيادات التعسفية ويحمي المستأجرين من جشع بعض الملاك. هذا النهج لا يقتصر على استقرار أسعار العقارات، بل يدعم الاقتصاد الوطني، حيث يؤثر التلاعب بالأسعار في السعودية، التي يقود فيها القطاع العقاري مؤشر التنمية، على قطاعات حيوية كالتجارة، السياحة، والصناعة، مما يترتب عليه عواقب اجتماعية تعرقل برامج التنمية الوطنية.

تستلهم هذه الفكرة من نماذج عالمية ناجحة. في ألمانيا، يوفر مؤشر الإيجارات المحلي Mietspiegel شفافية من خلال جداول تحدد متوسط الإيجارات بناءً على موقع الحي، مساحة الوحدة، وعمر المبنى، مع تقييد الزيادات بنسبة 10% خلال ثلاث سنوات. لكن تحدي تحديث المؤشر يتطلب رقابة ديناميكية، وهنا تبرز أهمية الجهة الإشرافية التي تراجع الحالات فرديًا لضمان العدالة. وفي سنغافورة، تشرف هيئة الإسكان والتنمية HDB على سكن 80% من السكان، مضبطة الأسعار بقواعد صارمة، مما يعزز الاستقرار المجتمعي، رغم أن التدخل الحكومي قد يحد من المنافسة. ارتباط القطاع العقاري بمؤشر التنمية في السعودية يجعل هذه الجهة ضرورية لمواءمة الزيادات مع أهداف رؤية 2030، حيث يؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة إلى تقليص الاستهلاك وإضعاف القطاعات الأخرى.

في فرنسا، يربط مؤشر IRL زيادات الإيجار بالتضخم، محصنًا المستأجرين من القفزات المفاجئة، لكن التحايل عبر عقود جديدة يتطلب رقابة مباشرة. الجهة الإشرافية يمكن أن تلعب دور الوسيط لحل النزاعات، مستفيدة من تجربة نيويورك التي تعتمد نظامي "Rent Control" و"Rent Stabilization" لتقييد الزيادات بنسب 1-2% سنويًا. لكن تحديات مثل إهمال صيانة العقارات تستدعي تقديم حوافز، كالتخفيضات الضريبية للملاك الملتزمين. هذه الجهة لن تحمي المستأجرين فحسب، بل ستضمن دعم القطاع العقاري للتنمية الاقتصادية دون إثارة اضطرابات اجتماعية تؤثر على قطاعات كالسياحة والتجزئة.

هذا النموذج يحقق توازنًا بين مصالح الملاك والمستأجرين، ويدعم الأهداف التنموية الوطنية. الجهة الإشرافية ستضمن زيادات عادلة مرتبطة بمؤشرات اقتصادية محدثة، مما يحد من التلاعب ويحمي السوق من التقلبات. كما ستعزز الثقة في القطاع العقاري كمحرك للتنمية، مساهمة في استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق رؤية 2030، مع الحفاظ على جاذبية السوق للاستثمار المحلي والدولي، وتوفير بيئة سكنية عادلة ومستدامة تقلل الإخلاء القسري وتمنح العائلات السعودية الأمان السكني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.