: آخر تحديث

خطورة تسييس الدين

158
180
162

 شملان يوسف العيسى

فتح القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية «B.B.C» في برنامج «نقطة حوار»، حواراً حول الخلاف السعودي- الإيراني في قضية أداء فريضة الحج هذا العام، حيث شرح معد البرنامج وجهة نظر الطرفين بكل موضوعية وحيادية دون الانحياز لأي طرف، وبعدها فتح الباب للحوار حول هذه القضية لكل من لديه وجهة نظر ليعبر عن رأيه بكل حرية. من متابعتي للحلقة لاحظت أن المتصلين من الطرفين لديهم وجهة نظر مسبقة بأدائه الطرف الآخر، فالمتصلون من السعودية ودول الخليج اتخذوا مواقف مؤيدة لوجهة نظر الحكومة السعودية، ويدافعون عن وجهة نظرها بقوة وشراسة، كذلك فعل المتصلون من إيران وبعض الدول العربية، مثل: العراق، ولبنان، وسوريا، وغيرها.. وهذا أمر طبيعي وعادي، لكن تكمن الخطورة في تبني الشعوب وجهة نظر الحكومات ليس من منطلق سياسي، بل من منطلق مذهبي وديني رغم حقيقة أن الخلاف السعودي - الإيراني ذو طابع سياسي، وهذا أمر مقبول في السياسة الدولية. لكن الأمر غير المرغوب فيه هو زج الشعوب في الخلافات السياسية، واعتبار أن أساس الخلاف ديني ومذهبي.

تاريخياً وعملياً تربطنا بإيران علاقات تاريخية ذات أبعاد ثقافية وتجارية واقتصادية طويلة قبل الثورة الإيرانية وبعدها أحياناً نتفق وأحياناً نختلف حول قضايا الحدود والهجرة واحتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث، وتوسطت دول الخليج لاحتواء هذه الخلافات وحلها ودياً.

الأمر المؤكد بأن غياب لغة الحوار العقلاني في الوطن العربي والإسلامي قد خلق خطاباً سياسياً يتسم بالحدية ورفض الآخر سواء في سياساتنا الداخلية أو الخارجية من منطلق «نحن» و«هم» ودائماً نتصور «نحن» بأننا الأفضل والأحسن والأكثر التزاماً بالدين والعقيدة، بينما نرى الآخر «هم» بأنهم كفرة، وزنادقة، ومنافقون، وخونة، وأشرار، وغيرها من المصطلحات الجاهزة، والدليل على ذلك هو الخلاف السعودي الإيراني، وهو خلاف كما أوضحنا سابقاً ذو طبيعة سياسية ولا يمت للدين والمذهب بصلة.

لكن مشايخ الدين والأحزاب وحركات الإسلام السياسي المتطرفة سواء كانت سُنية أو شيعية هولت من الموضوع، وتصورت بأن الخلاف عقائدي لا يمكن حله ودياً، دون أن تعي هذه الجماعات بأن هذا الطرح خطير جداً ويزجنا في متاهات ومشاكل داخلية وخارجية، تؤدي إلى تمزق المجتمع إلى فرق وجماعات تحارب بعضها البعض مكونات الشعوب العربية متعددة ومتنوعة وهذا عنصر قوة لو احترم كل طرف - الآخر من دون إقصاء أو إهمال أو مصادرة حقوق مدنية أو إنسانية.. لو عززت الدول العربية مفهوم المواطنة واحترام حقوق الإنسان دون النظر إلى العرق أو الدين، لتفادينا الحروب الأهلية التي انتشرت في أوطاننا.

لقد تقدمت الدول الغربية بعد أن نبذت الحروب وتبنت الأفكار الديمقراطية التي تدعو للتعايش وحب الآخر واحترام القانون في دولة مدنية، يحترم فيها الجميع حقوق الآخرين دياناتهم واختلافاتهم، متى يا ترى نصل إلى فصل الدين عن السياسة، حتى لا نختلف في مسيرتنا التنموية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار