إيلاف من الرباط: لا يكاد يمر يوم دون أن "يتهكم " أو "يسخر" ناشطون مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي من تصرفات أو ممارسات جزائرية على صلة بالعلاقات التي زادت تشنجا بين البلدين الجارين، في مختلف أبعادها وتجلياتها، بما في ذلك الرياضية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
في علاقة بهذا المعطى، كان منتظرا أن تثير مشاركة المنتخب الجزائري النسوي في نهائيات كأس أمم إفريقيا للسيدات، توتال إنيرجيز – المغرب 2025، التي تستضيفها ستة ملاعب مغربية إلى غاية 26 يوليو الجاري، بمشاركة 12 منتخبا، جدلا.
بالنسبة للمهتمين والمتابعين لمسار العلاقات المغربية -الجزائرية لم يكن الأمر متعلقا بتفجر جدل ما يهم المشاركة الجزائرية في موعد كروي قاري تنظمه المملكة، بل في الكيفية التي سيتم إخراجه بها.
المغرب.. بلد آخر
لاحظ عدد من الناشطين المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي أن القائمين على مشاركة الجزائر في الموعد الكروي القاري لم ينتظروا وصولهم إلى المغرب ليثيروا جدلا، بل بدأوه من بلادهم حين بدأت مواقع إخبارية أو على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي في نشر تقارير وتصريحات للاعبات المنتخب الجزائري، أو للمسؤولين الإداريين والتقنيين، تتحدث عن استعدادات النخبة الجزائرية للسفر للمشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا، دون الإشارة إلى مكان تنظيم هذه المسابقة القارية، و"كأنها تنظم في لا مكان"، كما علق أحد المغاربة ساخرا. بل إن إحدى لاعبات المنتخب الجزائري، قالت في تصريح لها "نحن نستعد للسفر إلى بلد آخر"، دون الإشارة إلى المغرب باعتباره بلدا منظما لهذا الموعد الكروي القاري!
سلوك "ممنهج"
رأى متفاعلون مغاربة مع واقع العلاقات المغربية - الجزائرية أن التصريحات "المستفزة" المعبرة عنها من لاعبي ومسؤولي وإعلاميي الجزائر "تأتي ضمن سلوك ممنهج، وبوحي من مسؤولي البلد الجار الشرقي للمملكة"، هدفها "الاستفزاز"، وذلك "بعيدا عن مبدأ الروح الرياضية، من دون مراعاة لأدنى شروط الاحترام الواجب بين الضيف والمستضيف".
وتوقف رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة، فضلا عن تقارير عدد من المواقع الإخبارية، عند سيل من "الممارسات" من رياضيين ومسؤولين جزائريين، اعتبروها "مثيرة للسخرية"، بدأت من حديث عن "تعمد التلفزيون الجزائري حذف شعار "الخطوط الملكية المغربية"، أحد الرعاة الرئيسيين لكأس أمم إفريقيا للسيدات "المغرب 2024"، خلال بث مؤتمر صحافي لمدرب المنتخب الجزائري. وخلال التغطية، تم إخفاء شعار "لارام" (الخطوط الملكية المغربية) من الخلفية المعتمدة رسميا من طرف الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (الكاف)، في تجاوز واضح للهوية البصرية الموحدة للبطولة". وبالنسبة لموقع "تيلي بلوس" الإخباري المغربي، فقد "تبيّن أن الحذف كان متعمدا".
وشدد هذا الموقع الإخباري على أن "هذه الواقعة ليست استثناءً، بل تندرج ضمن سلوك متواصل من الإعلام الجزائري، الذي دأب على تجاهل كل ما يربط بالمغرب، من الإنجازات الكروية إلى المشاركات القارية، سواء عبر تغييب صوره أو حتى الامتناع عن ذكر اسمه".
وأشار الموقع الإخباري إلى أن "الرعاة المعتمدين من طرف (الكاف) يتمتعون بحماية قانونية بموجب الاتفاقيات الرسمية، ما يلزم جميع القنوات باحترام الهوية البصرية، بما في ذلك الشعارات. وبالتالي، فإن التصرف الصادر عن التلفزيون الجزائري يُعد مخالفة صريحة، قد تترتب عنها تبعات قانونية أو تنظيمية".
ولم تتوقف هذه الممارسات عند هذا الحد، يضيف هذا الموقع الإخباري، إذ "أظهرت صور تداولها الحساب الرسمي لمنتخب الجزائر النسوي، وأعاد نشرها الاتحاد المحلي لكرة القدم، غياب عبارة (Morocco 2024) من الشعار الرسمي، في تصرف فُسّر على أنه رفض صريح للاعتراف بالدولة المنظمة للبطولة".
أكثر من ذلك، يضيف هذا الموقع الإخباري، لم تتوقف محاولات "حجب" كل ما له علاقة بالمغرب، في ظهور لاعبات ومسؤولي المنتخب الجزائري، بعد أن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لتصريح تلفزيوني لمدرب المنتخب النسوي الجزائري للقنوات الجزائرية، أظهرت أنه "ربما" تعمد "تقصير حبل شارة اعتماده الرسمية، في محاولة واضحة لـإخفاء كلمة (Morocco)، البلد المستضيف، المطبوعة على الشارة".
كما ظهرت صور أخرى للمنتخب الجزائري، يبدو خلالها أنه تم حجب الهوية البصرية للجامعة المغربية لكرة القدم من الكراسي المخصصة للبدلاء وفريق التدريب والتأطير، بشريط لاصق أسود اللون.
عقدة مرضية
بقدر ما حرص بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي على التعامل مع الممارسات الجزائرية المتداولة بسخرية وتفكه، شدد آخرون على ضرورة التعامل بصرامة مع مثل هذه الأفعال والممارسات ، ورأوا أنها تتطلب مواقف حازمة من مسؤولي الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، لأنها تتم بعيدا عن شروط المشاركة في تظاهرة قارية ومتطلبات الروح الرياضية.
وتفاعل ناشطون ونقاد ومحللون مغاربة وجزائريون مع مثل هذه الممارسات، واتفقوا على أنها بقدر ما تفجر موجات من التفكه والسخرية تثير الامتعاض والاشمئزاز.
وكتب الناشط الجزائري وليد كبير، في مقال رأي، تحت عنوان "بطولة كأس أمم أفريقيا للسيدات المنظمة بالمغرب تفضح العقدة المرضية للنظام الجزائري": "هو مشهد لا يشبه الرياضة لا من قريب ولا من بعيد، تسجل عبره الجزائر مرة أخرى سابقة مخزية في المشهد الإفريقي، وهذه المرة عبر بطولة كأس أمم إفريقيا للسيدات، التي يحتضنها المغرب بين 5 و26 يوليو 2025. المشكل ليس في أداء المنتخب النسوي، بل في أداء الاتحادية الجزائرية لكرة القدم والإعلام الرسمي، المتواطئين عن قصد وتوجيه في طمس أي إشارة إلى البلد المنظم، وكأننا في حرب مقدسة لا في بطولة رياضية إفريقية. ما الذي يخيفهم في رؤية اسم "المغرب"على شعارات البطولة؟ ما الذي يهدد الأمن القومي إذا ظهر شعار(Royal Air Maroc) خلف مدرب المنتخب؟ وكيف يمكن لمؤسسة بحجم الاتحادية أن تنزل إلى درك فاضح من التصرفات الطفولية، فتمارس قصا وطمسا وإخفاء في البث والمحتوى، فقط لأن المنظم هو المغرب؟".
وخلص كبير إلى أن "الجزائر لا تُختصر في نظام عسكري مهووس. ولا في إعلام موجه. ولا في اتحاد كرة يخشى ذكر"المغرب". الجزائر هي شعب حر، يحب كرة القدم، ويعرف أن احترام الخصم لا يعني الخضوع له. نريد رياضة نظيفة، واتحادا مستقلا، وإعلاما حرا. نريد جزائر لا تخشى اسم جارها، بل تفتخر بمنافستها الشريفة. وإلى أن يتحقق ذلك، ستبقى كل رقعة ملعب تُلطخ بعقدة السياسة… وكل شريط لاصق يُخفي شعار بطولة، هي شهادة إدانة لنظام لم يفهم بعد أن الشعوب أقوى من الحصار، وأصدق من المونتاج".
درس مغربي هادئ
وكتب الناقد الرياضي المغربي منصف اليازغي، على حسابه ب"فيسبوك"، تحت عنوان "الدرس المغربي الهادئ": "عندما يقدم الإعلام العمومي المغربي الدروس بلباقة ودون شوشرة. تغطية لمشاركة ومباريات الجزائر... وتصريحات مستقاة من أعضاء الفريق والمشجعين الجزائريين وهو يتجولون في مدن المملكة الشريفة. عادي جدا... لأن لا أحد يشكل عقدة للمغرب، ولا يمكن أن يشكل ذكر اسم الجزائر على لساننا او في الإعلام الوطني خطرا على الأمن القومي المغربي. كن راقيا... يراك العالم راقيا".
رقابة عبثية
رأى موقع (Le360) المغربي أن "الجزائر الرسمية" تمعن، مرة أخرى، في "ممارسة رقابة عبثية على كل ما يُشير إلى المغرب، حتى ولو كان ذلك في بطولة قارية نسوية أو على أطراف شعار صغير على قميص رياضي".
وقال الموقع الإخباري المغربي إن الجماهير الرياضية انتبهت، أثناء مجريات كأس أمم إفريقيا للسيدات، إلى "قيام التلفزيون الجزائري بتعتيم شعارات وأسماء مرتبطة بالمملكة المغربية، في مشهد يعيد للأذهان أحداثًا مماثلة وقعت خلال كأس العالم في قطر سنة 2022، عندما فضّل الإعلام الرسمي الجزائري تجاهل إنجازات أسود الأطلس التاريخية بدل أن ينطق باسم المغرب".
ورأى الموقع أن الأمر لم يعد الأمر بالرياضة، بعد أن "تحوّلت العقدة المغربية إلى ظاهرة وطنية في الجزائر، تسربت من الخطاب السياسي إلى الثقافة والمجتمع والإعلام، بل حتى إلى مدرجات ملاعب كرة القدم النسوية".
وذهب الموقع إلى أن "المغرب لم يعد جارًا. لقد أصبح "بُعبعًا" متخيلًا، الشماعة المثالية لكل أزمة أو عطب: من حرائق الغابات إلى نقص المواد الغذائية، من قطع المياه إلى اضطراب المناخ".
وفي المقابل، يضيف الموقع، فالمغرب يواصل تقدمه بهدوء، مشيرا إلى أن احترافية المملكة في التنظيم الرياضي تنال إشادة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف)، وتحضيراتها لاستضافة كأس العالم 2030 تتقدّم بخطى ثابتة.
وفي سخرية من هذه الممارسات، شدد الموقع على أنه "بينما يُلصق الملصق الأسود على شعار مغربي هنا أو اسم مدينة هناك، يَشغل المغاربة مواقعهم في صلب مستقبل كرة القدم العالمية".
ورأى الموقع أن المشكلة ليست في الرقابة، بل في "ما تكشفه الرقابة من هشاشة"، من منطلق أنه "حين تقوم دولة بطمس اسم بلد جار، فهي لا تُخفيه، بل تُسلّط الضوء عليه أكثر"، و"عندما تمنع ذكره، فإنها تمنحه مركز الصدارة في كل حديث وكل محاولة للتعتيم، لا تُنتج سوى مزيد من الانكشاف".
وخلص الموقع إلى القول "الإهانة لا تطال المغرب، بل تصيب الشعب الجزائري نفسه، لأن التعتيم على الواقع لا يحمي من الحقيقة، بل يكرّس الضياع في أوهام تُغذيها دعاية بائدة، وتصبح المفارقة صارخة، إن ما أُريد إقصاؤه، تحوّل إلى مزيد من الاهتمام".
تصرفات صبيانية
لم يخف عبدو السمار، الصحافي الجزائري المقيم بفرنسا، امتعاضه من هذه التصرفات، متوقفا، في كلمة مصورة، عند ما سماه "الهوس الجزائري بكل ما هو مغربي"، الذي "يلامس الحمق والجنون".
ولاحظ السمار "غياب المعنى" في ما تم القيام به من ممارسات وتصرفات، قبل ان يخاطب المسؤولين الجزائريين بالقول: "إذا كانت لديكم حساسية من المغرب ومن بطولة ينظمها المغرب ليس عليكم إلا أن تقاطعوا هذه المنافسة".
ورأى السمار أن المسؤولين الجزائريين "يتعاملون معنا كما لو أننابلداء"، فيما كل العالم يعرف أن هذه التظاهرة الرياضية منظمة في المغرب، كما أن المشاركة فيها ليست عيبا، الشيء الذي "يتطلب منا أن نرتقي بمستوانا"، و"أن نتخلص من هذا الهوس بالمغرب".
وأضاف: "صحيح، هناك مشاكل سياسية بين البلدين، لكن ما دخل الرياضة والرياضيين في كل هذا؟ لماذا نسيس الرياضة؟لماذا هذا الحرص الشديد على شيطنة المغرب؟".
وشدد على أن الأمر يتعلق، هنا، بـ"عقلية أطفال"، وتصرف "انهزاميين يتملكهم الحسد من الآخرين"، جعلت "العالم يسخر منا".
وتساءل: "هل استقبل المغاربة الجزائريين والرياضيين الجزائريين بقلة احترام؟ لا، كل شيء يمر بشكل جيد، فلماذا هذا العبث؟".