قبل خمسة أيام فقط من نهاية عام 2022 توقع نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف أن تشهد الفترة المقبلة عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي قد يتفكك لاحقاً، وأن المجر وبولندا قد تستوليان على المناطق الغربية من أوكرانيا، وأن يتم تأسيس الرايخ الرابع في ألمانيا، التي ستحارب فرنسا، وهو ما قد يقود إلى تقسيم أوروبا.
توقعات ميدفيديف تشمل أيضاً اندلاع حرب أهلية في أمريكا، وأن تعلن كل من كاليفورنيا وتكساس استقلالهما، وأن يتم انتخاب إيلون ماسك رئيساً للولايات المتحدة. وآخر توقعات المسؤول الروسي الكبير أن يرتفع سعر البترول إلى 150 دولاراً للبرميل، وأن يرتفع سعر الغاز إلى 5 آلاف دولار لكل ألف متر مكعب.
هذه هي توقعات ميدفيديف، الذي كان رئيساً لروسيا حينما لم يكن فلاديمير بوتين قادراً على أن يصبح رئيساً لأكثر من دورتين.
عدد كبير من المراقبين وصفوا توقعات ميدفيديف بأنها ساخرة، وضرب من الخيال، وهدفها الأساسي التأثير على الروح المعنوية للغرب، الذي يواصل فرض العقوبات الاقتصادية الشاملة ضد روسيا عقاباً على شنها عملية عسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي.
وإذا كنا في بداية عام جديد تكثر فيه التنبؤات والتوقعات فإنه لا يعلم الغيب إلا الله، وكذب المنجمون ولو صدقوا، ولكن في العلوم السياسية يكون الحديث والقراءة والتحليل بناءً على المؤشرات والشواهد الموجودة، وليس التنجيم.
هذه المؤشرات تقول إن هناك أزمة عميقة تضرب العالم أجمع، نتيجة مجموعة من الأسباب الموضوعية المتراكمة، منها وباء كورونا، الذي كلف العالم غالياً، والصراع الغربي الروسي في أوكرانيا، والصراع الاقتصادي الصيني الأمريكي، وزيادة أزمة الديون العالمية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وبالتالي ظهور أكبر موجة تضخم منذ عشرات السنين، وتوقعات بأن تتحول هذه الموجة إلى ركود تضخمي طويل.
ورغم كل هذه العوامل السابقة فإنه من شبه المؤكد أن لا تتحقق تنبؤات ميدفيديف، وبالتالي يصبح السؤال الجوهري هو أنه إذا كان المسؤول الروسي يحاول التأثير في الروح المعنوية للغرب، وأن يلعب على وتر التقسيم، وأزمة الطاقة، فما التوقعات الموضوعية؟
أغلب الظن أن التوقع الأول هو استمرار الصراع الروسي الغربي بسبب الأزمة الأوكرانية لفترة طويلة، وغالبية التحليلات الغربية لا تتوقع حلاً شاملاً لهذه الأزمة خلال عام 2023، إلا إذا حدثت معجزة في زمن قلت فيه المعجزات.
بوتين لم يحقق هدفه الجوهري في ضم كل شرق أوكرانيا إلى بلاده، ولم يسقط نظام الرئيس زيلنيسكي، والغرب يحاصره حصاراً صعباً، وفي الوقت نفسه فإن الغرب لم يتمكن من هزيمة بوتين عسكرياً في أوكرانيا، ولم يهدد سلطته في موسكو، وبالتالي فإن ما نشهده هو استنزاف شديد لروسيا، وخسائر اقتصادية غير مسبوقة لأوروبا، وبالتالي فلا يوجد طرف رابح ليجبر الخاسر على قبول شروطه.
ورغم كل ما يقال عن مبادرات دبلوماسية وعودة الحديث عن حلول سياسية فأغلب الظن أن الغرب لن يقبل بأي تسوية لا تتضمن انسحاباً روسيا كاملاً على الأقل من شرق أوكرانيا، على أن تستمر سيطرتها على شبه جزيرة القرم.
التوقع الثاني أن يستمر الصراع الاقتصادي محتدماً بين الولايات المتحدة والصين، من دون أن يقود إلى صراع عسكري، وذلك استناداً إلى خبرات السنوات الماضية في عدم دخول الصين في مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة. وحتى حين جازفت رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق نانسي بيلوسي بزيارة تايوان، فإن كل ما فعلته بكين هو التهديد وإجراء المناورات قرب أجواء تايوان، ثم إن الصين يبدو أنها مستمرة في نهجها الحالي، الذي يقود إلى مزيد من النمو الاقتصادي والأسواق الأوروبية والأمريكية المفتوحة، ما قد يرشحها لتصدر الاقتصاد العالمي بعد سنوات.
انطلاقاً من هذه القاعدة، سوف تستمر الولايات المتحدة في الضغط الاقتصادي على الصين ومحاربتها بكل السبل الممكنة، ما عدا العسكرية، بحيث تؤخر تصدرها المشهد الاقتصادي العالمي. السؤال: هل يقود هذا التوقع إلى مزيد من التقارب وربما التحالف بين موسكو وبكين؟ السؤال يتكرر كثيراً، ولكن مصلحة الصين الفعلية والاقتصادية والتقنية لا تزال مع أوروبا وأمريكا، وليس مع روسيا، ولن يتحقق التحالف إلا إذا شعرت بكين أن مكاسبها مع موسكو أكثر من مكاسبها مع الغرب.
هناك توقعات موضوعية كثيرة أخرى، أهمها أن تتزايد تبعات التغير المناخي في العديد من المجالات، خصوصاً الإنتاج الزراعي وندرة المياه، وأن تزيد أيضاً مشكلة الديون العالمية، وهو أمر ستدفع ثمنه بالأساس الدول النامية، التي تستورد معظم غذائها وطاقتها من الخارج.
وفي عبارة موجزة فإن أوضاع العالم في 2023 لن تكون أفضل حالاً من 2022، وإن كنا نتمنى أن يخيب هذا التوقع لمصلحة البشرية بأكملها.