: آخر تحديث

عندما يكون الصحافي أمياً ومتطفلاً!

31
33
31

يخرج علينا بين يوم وليلة بعض الهواة العاشقين للعمل الصحافي، والإعلامي بصورة عامة، ومن بين هؤلاء الذين يظهرون، ويميطون اللثام عما يخبؤون للعامة من الناس من فصول وحكايات هزلية مضحكة، وكثير من الصور "المعتّة" المبتذلة التي بالكاد تظلّ حاضرة ومحشورة في أذهان العاشقين والمحبين للعمل الصحافي. العمل الذي يؤسس لحياة نظيفة قوامها حب المهنة والاخلاص لها، وتكريس كل الوقت والجهد بصدق لنجاحها، ويتطلع ذلك الصحافي الأمي إلى أن يكون أنموذجاً في عالم يدور في فلكه عديد من الصحفيين الذين ولدوا أصلاً وهم مقتنعون على أن أنهم أهل لهذه الصنعة ـ المهنة التي كرسوا لها وقتهم وجهدهم وجلّ امكاناتهم لإيصال رسالتهم إلى عموم الناس. كل الناس الذين ينظرون إليهم بصدق.. باحترام وباجلال، وبنبل عطائهم وتدفّقه.. لا أن ننتظر من كثير من المتطفلين منهم، والذين أدرجوا في قائمة الإعلام والصحافة وانخرطوا في العمل الصحافي وسلّمها من أن يقولوا الكثير، وهم في الواقع عالة عليها، بل وأساءوا لها، وعلى كل من ارتضى بها، وشكلت جزءاً مهماً من حياته وذوقه العام، وبرنامجه اليومي.

أقول وبدون مواربة، أنَّ هناك لفيف من المدّعين لهذه المهنة الشريفة النظيفة.. لفيف كبير منهم كل همّه التطفل على الصحافة والاساءة لها، لأن ما صرنا نقرأه، وما سبق أن قرأناه وشاهدناه ولمسناه أن عدد ليس بالهيّن من المتطفلين على صاحبة الجلالة التي نحترمها ونقدر العاملين فيها صاروا اليوم أكثر من الهمّ على القلب ولا يستطيع أحد أن يوقف، أو يفرمل تسارع تقدمهم والدخول إليها من بابها العريض!.

هذه النخبة، والتي يمكن أن نوصفها مثال حشرة "القُراد" التي تلتصق بجلد الإنسان، وكذلك تفعل مع الحيوانات. حشرة متطفلة، والخلاص منها يتم ببطء شديد كي لا تترك أثراً في جسم الضحية، ومثلها مثل هؤلاء المتطفلين على الصحافة والإعلام الذي صار من الصعب ازالتهم والتخلص منهم لأنهم أساؤوا لهذه المهنة، بل وأضعفوا ثقة الناس بها، وخفّ من احترام العاملين فيها، وبالتالي اختلط على الناس الصحافي الحقيقي من الصحافي الفاسد المتطفل الذي كل ما يهدف إليه هو ابتزازهم، والوصول إلى غايته وإملاء جيوبه من التعدي على مهنة لها مكانتها، وبالتالي وجب على الناس احترام العاملين بها لا السعي من أجل "تشليح" أموالهم أموالهم والضحك عليهم!

وسبق لي أن التقيت بعدد وافر منهم، وكانت لهم صولات وجولات، وأخذوا مكانهم في عالمها وبكل صفاقة برغم تحذير الغير لهم، وتجذرّت مكانتهم، واعتلوا كراسي مميزة في وظائف حكومية لها أسمها، ومن بين هؤلاء من كشفت أوراقهم ولم يتمكنوا من الاستمرار في الاستزادة من رصيدها، فازيلوا من خارطتها كما تزال ورقة التوت من غص الشجرة، والتجديد ما ينتظرها، ومنهم من استمروا في هذا العالم الرحب لأنه مدعوماً من والده المسؤول، أو من قبل قريب أو صديق له مكانته المحترمة في الدولة، أو خال يشغل مكانة لها أسمها، والأنكى من ذلك أنَّ القائمين على هذا العمل المعنيين بالنشر يعرفون تمام المعرفة أن امكانياتهم هؤلاء في مجال الكتابة محدودة جداً لا يمكن أن تتجاوز أرنبة انفه. نعم كلمات، وقد لا يتجاوزها وتراهم يرحبون بما يكتب، بل ويثنون على ما ينشر من مقالات وتحقيقات صحفية وريبورتاجات، والمادة المنشورة بالتأكيد من صناعة أهل الحرفة أنفسهم أصدقاؤه المقربين له في العمل. في الصحيفة التي يعمل بها. الذين يملكون ناصية القلم، وحدهم القادرون على الكتابة الصحفية التي يجهلها آخرون.. الأهم نشر المادة باسمه لغاية في نفس يعقوب من أجل تسويق كتاب ما، أو تحقيق مأرب يدر عليه مبلغ من المال، وعلى الصحافي الذي كتب المادة أن يحقق دوره بقبض مكافأته هو الآخر من ذاك الصحافي ـ المسؤول وهذا ما يهمه، ويأمل بكتابة المزيد حتى يعوّضه مبلغ مالي ينفعه في مسائل مهمة يبحث عنها.

أذكر مرة أن أحد الصحافيين الأميين الذي ليس له القدرة أو الامكانية على كتابة حتى أسمه ينبري أحد الأصدقاء المعروفين بخبرته الصحفية بكتابة تحقيق متكامل له مقابل مبلغ مالي كبير. ومنهم من استطاع أن يضحك على رئيس اتحاد الصحافيين السوريين في زمان القائد الخالد، وهو اسم كبير في عالم الصحافة الدكتور صابر فلحوط وأن يستغل عمل ابنته التي كانت تخدم في بيته ويطلب منها التوسط لدى فلحوط، ونتيجة عشق والدها للصحافة والابتزاز في ظلها، وهي أقصر طريقة، طلبت منه التوسط  لوالدها لدى رئيس تحرير صحيفة الثورة لوالدها لجهة العمل كمراسل للصحيفة في احدى المحافظات السورية ونجح في ذلك، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً وبعد فضح أمره ومعه صديق آخر تم اعفائهما من العمل لأنهما يجهلا تماماً العمل الصحافي، رغم محاولتهما عبثاً الكتابة بمساعدة أحد الصحافيين الذي رفض طلبهما بكتابة مواد صحفية على أن تذيل باسميهما مقابل دفع مبالغ مالية.

كثير .. وكثير جدا أمثال هؤلاء النخبة من الأميين الصحفيين الذين تطفلوا على مهنة الصحافة والتعدي على عمل المجدين والمتميزين منهم الذين نجحوا في هذا المضمار. وقد انتقلت هذه المشكلة إلى أوربا.. وإلى الشباب اللاجئين الذين حاول البعض منهم أن يرسم طريقه هناك بالتطفل على هذا العمل.. واستطاع منهم أن يخدع الناس بتأسيس مؤسسة إعلامية، وبإمكانات بسيطة، وكان الهدف منها الكسب المادي قبل أن تكون واجهة إعلامية، ومنبر يعنى بشؤون الناس ونقل همومهم والبحث في قضاياهم.. ومن أمثال هذا الصحافي الأمّي أيضاً الذي يبحث عن المجد والظهور والمكانة بين العمالقة حباً بالعمل الصحافي وفي المال، ولم يفه ذلك بل شغل رئاسة تحرير الموقع الإعلامي الذي يديره وهو يجهل ذلك تماماً، وهو غير قادر على بناء جملة مفيدة، أو رسم خطة عمل خاصة بالموقع الذي أحكم سيطرته عليه، وأخذ مكانه. كل ما يهدف إليه هو أن يصل إلى ما يهدف إليه وأن يحقق مكسبا مالياً، وبأي صورة كانت، وهو في الواقع ليس له أي علاقة لا بالصحافة ولا بالإعلام ويعجز عن كتابة مقدمة لمقال يختصر واقع الحياة في المدينة التي يعيش فيها اليوم. 

وفي احدى زياراتي إلى الولايات المتحدة، التقيت بكاتبة سورية، وتدّعي أنّها تحمل شهادة دكتوراه في الصحافة، طلبت مني في أكثر من مرّة التعقيب على أصدقائها في "فيسبوك". كانت السيدة الدكتور تعجز عن الرد من بضع كلمات، وكان ينشر باسمها مواد مطوّلة يعدها لها بعض المنتفعين، يعجز كبار الكتّاب عن صياغتها!

هذه بعض النماذج من الصحفيين الأمّيين التي تعاني منها مهنة الصحافة في بلادنا العربية، وابتليت بعدد وافر منهم، وما خفي أعظم!

[email protected]
 

#فضاءـالرأي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في