: آخر تحديث

حسابات التاريخ وحسابات البقالة

30
38
23

 كثيرا منا يمارس الرومانسية ويغيب الواقعية في الأحكام خاصة حول توقعاتنا حول المستقبل ،ويخلط بين النوايا والواقع. وكثيرا ما نقع في (مغالطة البجعة السوداء ) لنسيم طالب .. وهي تداعيات الأحداث غير المتوقعة.  
خاصة في حسابات التاريخ والتي تختلف عن حسابات البقالة. فمثلا اعتقد أننا كنا رومانسيين زيادة على اللزوم عندما اعتقدنا أننا بسقوط النظام السابق في ليبيا سوف ننعم بثروات ليبيا وخيراتها. رغم ان فبراير لم يخطط لها بل هي انتفاضة مدنية ركبها المتأسلمون وتمت عسكرتها ثم زاد الطين بلة دخول الناتو على الخط. لم يدر في خلد الناس إنهم سيواجهون هذا الكم الهائل من المشكلات من القتل والتفجير والاحتراب والسرقة وانهيار في البنية الفوقية للمجتمع وهي منظومة الأخلاق والقيم قبل الانهيار في البنية التحتية للدولة، ويبدو إنه يحق علينا وصف اننا لم نحسب حساب الخنفوس -الخنفساء- وهي قصة من التراث. تقول الحكاية : إن صديقين اتفقا على زراعة قطعة ارض بور مهملة يملكانها ؛ فقررا زراعتها بالخضار، وبدأ على عجل في حساب الأرباح بعد خصم التكلفة، فأظهرت الحسبة أن صافي الأرباح سوف يكون كبيراً ومهولاً... خاصة وان السوق يطلب هذه الخضار وبسعر مرتفع.

بدأ الشريكان في حرث الأرض وزرعها وسقيها وبعد فترة أخضرت الأرض ففرح المزارعان ثم جاء موعد الحصاد وجني الأرباح، لكن حين بدأ الحصاد فوجأ الرجلان أن الزرع كله مصاب بحشرة الخنفوس ‘الخنفساء’ التي نخرته وقضت عليه ولم يعد صالحا للاستعمال. جلس الرجلان والحزن يعتصر قلبيهما، قال احدهم للآخر: "يبدو أننا لم نحسب حساب الخنفوس!". 

وهذا ما حصل لنا في ليبيا بعد فبراير2011. بالضبظ حيث اننا لم نحسب السلبيات المتوقعة وهي نفسها "حساب الخنفوس". اليوم وبالنظر الي الصورة كاملة، نحن اقرب إلي عدم الاستقرار منا إلى حال الاستقرار. فليبيا ترقد على برميل بارود سيزيده النفط اشتعالا، وحالة من الاختلاف والخلاف لم تحدث في تاريخ ليبيا. فمن صراع الكتائب المسلحة الى الإسلام الحزبي المتربص بالكرسي بعد سنوات السجون المظلمة، ظهر منتقما من الجميع. فما زال إسلامنا السياسي في ليبيا بدائيا وما زال شيوخ الإسلام السياسي يفكرون بالانتقام. وبدلا من أن يحتويهم الإسلام صاروا هم يحتوون الإسلام، وكأن الإسلام حجة لهم وليس حجة عليهم.

على الليبيين اليوم أن يدركوا أهمية هذه الحسابات "حساب الخنفوس"  قبل فوات الأوان. فالذي يتوقع الأسوأ يحمي نفسه من الوقوع في السيئ. إنها في لغة العلم تسمى حساب المخاطر وتقيِمها قبل الدخول على أي عمل أو فعل او مشروع. وعدم الإيمان بفكرة غير مثبتة والتفريق بين الفرضية والنظرية.أو ما يسمى بالإنجليزية Proof of Concept 

وهذا ما لم نفعله قبل الوصول إلى هذه النقطة وهي أخطاء تراكمت من المجلس الانتقالي إلى المؤتمر الوطني وصولا الي البرلمان وهي نتاج عقلية ليبية تفكر بالتمني وتحب التعميم وتعارض التغير. نحن ما زلنا نعيش في دائرة عنف مغلقة لا فائدة منها سوى تغذية الغضب وروح الشر داخلنا كأننا نعيش عصر الجاهلية.. نعم إنها جاهلية هذا العصر، فالجاهلية في اللغة ليست من الجهل كما يعتقد البعض بل هي الانصياع لنزوات النفس والهوى وعدم تحكيم صوت العقل.. فالعقل عقال من نزوات الغضب وهوى النفس. 

يقول الشاعر الجاهلي عمر ابن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا..فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فهنا لا يفتخر الشاعر عمر ابن كلثوم  بأنهم قوم جهلاء!!! بل يفتخر أنهم قوم يفعلون ما يريدون دون قيد ولا شرط؛ فلا دين يعصمهم ولا إنسانية ولا قانون حقوق إنسان.
هذا كان في الجاهلية، أما الآن ونحن مسلمون، فكيف لم يعصمنا ديننا من القتل؟ ومن يا ترى يعصمنا من وحوش تجري وراء الكرسي والمال بلا مبدأ او أخلاق أو تنافس شريف أو احتكام لصوت العقل ولصوت الدين والوطن قبل التفكير في المصالح الضيقة وهي بلا شك مقارنة بالوطن تعد ثمنا قليلا. فلا شيء يمكن مقارنته بالوطن. ولكن ما زال ايماننا بالله والناس الذين همهم الوطن ويسكنهم الوطن حتى وان كانوا لا يسكنون الوطن.. فعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم. 

 

#فضاءـالرأي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي